إذاً: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) وقد جاءت نصوص تؤكد صحة الاستثناء وتبين أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في المسجد النبوي بمائة مرة، إذاً: صلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بألف، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجده بمائة، إذاً: الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، وصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، وجاء في الحديث الذي جمع المساجد الثلاثة: (وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة) .
وهنا مبحث يرتبط بالحديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) خصت المساجد الثلاثة بجواز شد الرحل إليها، وخصت المساجد الثلاثة بمضاعفة الأجر فيها، فلماذا؟ الأرض هي أرض الله، والمساجد كلها بيوت الله، كما قال تعالى: ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] وقال سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور:36] وأي مسجد في أقصى الدنيا فهو بيت الله، ولكن كما أن الله سبحانه وتعالى اختص جزءاً من المسجد النبوي بأن كان روضةً، وهذا جزء من الأرض بصرف النظر عن المعاني التي قيلت فيه، واختص الله سبحانه وتعالى بقع المساجد الثلاثة دون غيرها، واختص الله مكة والمدينة وفضلهما على بقية البلدان، وحتى في الزمان فإن الله قد اختص شهر رمضان وجعل ليلة فيه خيراً من ألف شهر، واختص يوم الجمعة واختص فيه ساعة، واختص يوم عرفة وهو خير يوم طلعت عليه الشمس، إذاً: هناك اختيار من الله وتفضيل لبعض أجزاء الكل على بعضه، فاختار ساعةً من أربع وعشرين ساعة، وليلةً من ليالي السنة، ويوماً من أيام السنة، وشهراً من شهور السنة، وهكذا يختارها الله ويفضلها، كما اختار من بعض البشر رسلاً وفضلهم على كثير من العالمين.
فقالوا: إن سبب مضاعفة الصلاة في هذه المساجد الثلاثة وجواز شد الرحل إليها لأنها هي المساجد المقطوع بعينها، ولو جئت إلى أي مسجد في العالم؛ كمسجد موسى أو مسجد هارون أو مسجد نوح فكلها خاضعة للنظر من حيث سبب تسميتها ومن قام على بنائها، وأما الثلاثة فهي مقطوع بها؛ ولأن هذه الثلاثة اشتركت في عناصر أساسية: اشتركت في كون اختيار مكانها من الله، قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج:26] وقال صلى الله عليه وسلم: (دعوها فإنها مأمورة) وفي الأثر أن الله قال لداود عليه السلام: (ابن لي بيتاً في بيت المقدس حيث ترى الفارس المعلم شاهراً سيفه) فالله تعالى هو الذي عين أماكن المساجد الثلاثة، ثم قام على بنائها أنبياء ثلاثة: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة:127] ومعه إسماعيل، والمسجد النبوي بناه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه، وكانوا يقولون عند البناء: لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل فكانوا يحملون الحجارة ويحمل معهم.
إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خطط وبنى المسجد النبوي، وكذلك مسجد بيت المقدس بناه نبي الله داود، فكون اختيار المكان، وإقامة البناء والإشراف عليه من رسل الله بتوجيه من الله جعل لهذه المساجد فضيلةً على غيرها.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.