بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد: قال المؤلف رحمه الله: [وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار) رواه الشافعي بإسناد ضعيف] .
يذكر لنا المؤلف رحمه الله تعالى هذا الحديث الذي رواه الشافعي رحمه الله وإن كان بسند ضعيف، إلا أنه من الأعمال التي هي من نوافل العبادات، والتي ليست من الأحكام كالحلال والحرام، وكما يقولون: أحاديث الترغيب والترهيب لا يشدد فيها كما يشدد فيما يتعلق بالتكليف من حلال أو حرام ومن فعل أو ترك.
يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة) ، وقوله: (من تلبيته) أي: التلبية المنسوبة إليه، والتي كان يأتي بها، وقد تقدم لنا أن التلبية عند الفقهاء واجب من واجبات الحج، يعني: أن كل من أتى بنسك حج أو عمرة فإنه يجب عليه أن يلبي ولو مرة واحدة، أي: أن الواجب يؤدى بمرة واحدة، وما عدا ذلك فهو من باب الزيادة والفضل.
وكان صلى الله عليه وسلم يجدد التلبية كلما تجدد له حدث، بمعنى: أنه إذا كان يمشي في أرض مستوية فهبط وادياً في طريقه جدد التلبية، وإذا انتهى من هذا الوادي وقابل مرتفعاً جدد التلبية، وإذا لقي ركباً في الطريق جدد التلبية، وإذا نزل منزلاً للراحة أو للطعام أو للشراب جدد التلبية، وإذا بدأ الرحيل كذلك جدد التلبية، وهكذا كما تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (تُجدد التلبية عند كل حدث يواجه المحرم) .
وقد تقدمت صيغة التلبية عنه صلى الله عليه وسلم وهي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) إلى هنا كانت تلبية النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يزيد: (لبيك وسعديك والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل) ويقول العلماء: إن هذه الزيادة من باب الذكر، ولا بأس بها؛ لأن ألفاظها تتناسب مع التلبية، ومعناها الإقامة على الطاعة والامتثال.
فكان إذا فرغ من تلبيته صلى الله عليه وسلم يعقب ذلك أنه يسأل الله المغفرة والرحمة، ويستعيذ بالله من العذاب.