فلما توضأ وضوءاً خفيفاً، قيل له: الصلاة، يعني: أن الشمس قد غربت وما زلنا في نصف الطريق، فنريد أن نصلي المغرب، فقال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة أمامك) أي: إن الصلاة ستكون في المزدلفة، ومن هنا يقولون: من كان عنده فسحة من الوقت وليس عليه عائق يلزمه المكث فلا يصلين إلا في المزدلفة، ولو تأخر وصوله إلى المزدلفة إلى ما بعد منتصف الليل، وبعضهم يقول: إلى ثلث الليل الأخير، فإن تأخر في عرفات لظرف ما، كما يقع الآن في السرات يحبس الناس من أجلها، فإذا تأخر في عرفات أو في الطريق وعلم أنه لن يصل إلى المزدلفة إلا بعد أن يدخل ثلث الليل الأخير، فهل يؤخر المغرب والعشاء أيضاً حتى يطلع الفجر؟ قالوا: لا، بل عليه أن يصلي في مكانه؛ لأنه تعذر وصوله قبل خروج الوقت، وأصبح بين أحد أمرين: إما أن يأتي بالسنة بإيقاع الصلاة بمزدلفة وقد خرج وقتها، وإما أن يؤدي الفرض الذي هو الصلاة قبل خروج وقتها، فالحفاظ على الفرض أولى من الحفاظ على السنة.
فله في تلك الحالة أن يصلي حيثما تأخر، ويجمع أيضاً المغرب مع العشاء، والفقهاء رحمهم الله يقولون: في حالة الجمع ينوي ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى، إن كان يريد جمع تأخير، فعند دخول وقت الأولى لا يؤخرها سهواً ولا إهمالاً، بل ينوي أنه سيؤخرها إلى الثانية، فإذا جاء وقت الثانية صلاهما جمع تأخير، وبدأ بالأولى، فيصلى الظهر ثم العصر، وإذا جمع جمع تقديم ينوي جمع الثانية مع الأولى قبل أن يدخل في الأولى، فمثلاً: قبل أن يدخل في صلاة المغرب يكون قد نوى أنه سيجمع معها العشاء وهكذا.
فإذا لم يتأخر في الطريق فالصلاة تكون في المزدلفة، وإن كان هناك ما يؤخره لظرف ما فيصلي حيثما كان على صورة الجمع، يؤذن ثم يقيم فيصلي المغرب ثم يقيم ويصلي العشاء ركعتين، ثم يواصل السير إلى المزدلفة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دفع من عرفات ومشى إلى أن جاء إلى المزدلفة.
قال المؤلف رحمه الله: [ (فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) ] .
(فصلى بها) أي: بالمزدلفة، والمزدلفة تسمى أيضاً جمعاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) وليس بلازم أن تتحرى موقع المشعر الحرام وتنزل فيه؛ لأن المشعر الحرام مكان صغير، ولا يمكن أن يسع جميع الحجاج، ولكن المزدلفة كلها موقف، فإن تيسر لك بعد ذلك أن تأتي مكان المشعر وتدعو فالحمد لله وإلا دعوت في مكانك، فصلى المغرب والعشاء في المزدلفة بأذان واحد وإقامتين، كما صلى في عرفات الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين.