بعد ذلك صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر في المسجد النبوي الشريف أربعاً، أي: أنه لم يشرع في قصر الصلاة من مكانه وإن كان على سفر طويل؛ لأن السنة في قصر الصلاة للمسافر أن شروعه في القصر يبدأ بعد أن يغادر أطراف القرية التي خرج منها، ويستدلون لذلك بكون علي رضي الله تعالى عنه حينما كان خارجاً من الكوفة في سفر صلى الظهر أو العصر أربعاً، فقيل له: ألسنا مسافرين، ألا نقصر الصلاة؟! قال: (لولا هذا الخصيِّص لقصرت الصلاة) .
والخصيِّص تصغير الخص، وهو: عبارة عن عشة أو غرفة من الأعشاب والجريد وأغصان الشجر، فجعله علي رضي الله تعالى عنه تابعاً للقرية، ولا يقصر الإنسان الصلاة إلا بعد أن يغادر معالم القرية وتوابعها، وهكذا فعل هنا صلى الله عليه وسلم.
وبهذه المناسبة يرى بعض الناس أن المسافر بالطائرة إذا وصل إلى مطار المدينة النبوية مثلاً، فإنه يقصر، ويرى أنه خارج عن حدود المدينة، والواقع أن المطار اليوم يعتبر جزءاً وضاحية من المدينة النبوية؛ لاتصال البنيان أكثر المسافة، ولوجود الخدمات التي تمتد إليه من المدينة، من ماء وكهرباء وطرق وغير ذلك، فالأولى أن لا يقصر الإنسان في هذا المطار في أول سفره، والله تعالى أعلم.
خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن تجرد واغتسل وادهن، ولبس الإزار والرداء، وصلى الظهر بالمسجد النبوي أربعاً، فلما أتى ذا الحليفة جاء وقت العصر فصلاها ركعتين، وذا الحليفة هي التي تسمى عند العامة: آبار علي، والمسافة بينها وبين المدينة معروفة، وليس هناك اتصال عمراني متشابك من المدينة إليها.
وفيها صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر ركعتين، وبات كذلك بذي الحليفة، وكان معه نساؤه التسع، فطاف عليهن واغتسل عند كل واحدة منهن، ثم في ضحوة النهار اغتسل لإحرامه.