بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: قال المؤلف رحمه الله: [وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج فخرجنا معه، حتى إذا أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس، فقال: اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به على البيداء أهلّ بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) ] .
(صفة الحج ودخول مكة) يعنون العلماء في كتب الحديث لهذا الحديث بقولهم: حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث جابر الذي صدّر به المؤلف الباب هنا هو أوسع وأشمل رواية لحج النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يرويها من بداية خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى نهاية الحج والعودة إلى المدينة.
وقد عني كثير من العلماء بهذا الحديث، بل وكتب فيه بعض السلف رسائل مستقلة، وقد ذكر النووي رحمه الله عن بعض السلف أنه استخرج منه ما يفوق المائة والخمسين قاعدة فقهية فيما يتعلق بالحج وبغيره، وجابر رضي الله تعالى عنه حدّث بذلك في الكوفة، حينما أتاه جماعة من التابعين وسألوه عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: (فعقد تسعاً) والعقد هو: نوع من الحساب بالأصابع، وهو هنا أن يضم أصابعه العشر وينصب إبهام إحدى الكفين، أي: عشراً إلا واحدة، قال: (مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تسعاً) أي: تسع سنوات، وفي العاشرة أعلم الناس أنه حاج، فاجتمع إلى المدينة خلق كثير، كلٌ يريد أن يأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية أعمال الحج، وسميت هذه صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، أي: في الإسلام، وما حج صلى الله عليه وسلم بعد البعثة إلا تلك الحجة.