شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين)

قال صلى الله عليه وسلم: (ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين) .

قوله: (فهو بخير النظرين) : النظران في قتل العمد؛ لأن قتل الخطأ فيه نظر واحد وهو الدية، أما العمد فله الدية وله القصاص، ومناسبة ذكر القتل في هذا الحديث: قالوا لأن حرمة مكة تعيذ القاتل من القتل، وتجعل من دخلها آمناً، حرمة مكة تعيذ من لجأ إليها، أي: أن من ارتكب جريمة خارج مكة ولجأ إليها دخل في نطاق الأمن، لكن مجيء هذا الحديث بهذا السياق يشعر بأن القاتل في مكة لصاحب الدم الخياران، فله أن يقتله، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر بإخراجه من الحرم، والمعروف أنه يقتل حيث قتل، إذاً: الحديث هنا يشعر بأن حرمة تلك النباتات والحيوانات في الصيد وحرمة مكة لا تمنع القاتل من أن يقتص منه في الحرم، وهذا ما يرجح القول -وهو قول الأكثرين- بأن الجاني في مكة يقتص منه في مكة، بخلاف من جنى خارج مكة ولجأ إلى مكة؛ فإنه يخرج إلى الحل ويقتص منه.

وقوله: (فهو بخير النظرين) النظران هما: القصاص أو الدية، وفي قوله سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] اتفق العلماء في هذه القضية على أن اليهود كان عندهم حكم واحد: وهو أن القاتل يقتل، ثم جاء النصارى وأصبح الحكم عندهم أن القاتل يدفع الدية، ثم جاء في الإسلام التخيير بين الأمرين.

وفي فقه المسألة عند الأئمة رحمهم الله: أنه إذا قبل أولياء الدم عن القاتل عمداً بالدية فعليه أن يدفعها.

وذهب الإمام مالك رحمه الله في المشهور عنه إلى أنه ليس لولي الدم على القاتل إلا نظر واحد إما القصاص وإما الترك، وهذا مذكور عن أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الله تعالى يقول: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179] ولم يذكر في العمد دية، فقالوا: الجاني إن لم يرض ويقبل بدفع الدية عند طلبها من ولي الدم فليس بملزم، بل إما أن يقتص ولي الدم أو يتركه، وفي المذهب المالكي في هذه المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول هو هذا، وهو المشهور عن مالك.

القول الثاني: وافق فيه الجمهور: وهو أنه إذا طلب ولي الدم الدية فعلى القاتل أن يدفعها.

القول الثالث: التفصيل: فإن كانت الجناية في النفس، وطلب ولي الدم الدية، وكان الجاني واجداً، وجب عليه أن يدفع الدية، وإذا كانت الجناية في عضو؛ كأن اعتدى على يده أو عينه أو أذنه، فإن طالبوا بالقصاص فعليه أن يقدم القصاص، وإن طالبوا بالأرش ودية العضو فالجاني بالخيار؛ إما أن يمتنع من دفع الأرش ويقول: اقتصوا كما جاء في الشرع، ولست ملزماً بالدية.

وفي هذه المسألة سمعت من والدنا الشيخ الأمين رحمة الله علينا وعليه يقول: الراجح أنه في قتل النفس إذا طلب الولي الدية فيتعين على الجاني أن يدفعها؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29] ، فإذا وجد الدية وعوفي من القصاص فلا يقل: اقتصوا؛ لأنه حينئذ يكون كقاتل نفسه؛ لأن الدية تعفيه من القتل وهو يأبى إلا أن يقتص منه.

إذاً: الحديث هنا يرد على هذا القول، سواء كان عند مالك أو عند أبي حنيفة رحمهما الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015