قال صلى الله عليه وسلم: (ولا العمائم) العمائم: جمع عمامة، قالوا: العمامة رمز لتغطية الرأس، وكل ما غطى الرأس فهو مندرج تحت العمامة: كالطاقية، والقلنسوة، والكسكيتى، والبرنيطة إلخ، فكل ما يجعل لباساً خاصاً للرأس فهو ممنوع.
وهنا يقول العلماء: قوله: (لا تلبسوا القمص) أي: المحيط وليس المخيط، أو المخيط على هيئة الجسم، وفي الرأس لا يغطى الرأس بالعمامة، وكل ما يغطي الرأس فهو مندرج تحتها، ولو أن إنساناً معه متاع فحزمه ووضعه على رأسه وكان رخواً، فدخل الرأس في ضمن المحمول، ونزل على جانبي الرأس وغطاه إلى أذنيه، فإنه يكون قد غطى رأسه، بحمل، فهل يكون داخلاً في معنى العمامة؟ يقول بعض العلماء: إذا قصد بهذا الوضع تغطية رأسه من شمس ونحوها فهو لابس، وإن كان فيه متاعه وحمله ونزل إلى هذا الحد فلا يقال له: لابس له، إنما يقال له: حامل متاعه.
ولو أنه أخذ شريطاً على منتصف الرأس إلى أسفل الحلق لجرح أو لصداع أو لأي حاجة من الحاجات، فهذا الذي أخذ شريطاً عرضه (5سم) ونزل به إلى أسفل حلقه يقال له: رابط رأسه، فلا يكون لابساً ولا يكون مغطياً.
وإذا نام على فراش وثير ولين وغطس فيه رأسه، فلا يقال: لبس المخدة، ولا يكون مغطياً رأسه وهكذا.
إذاًَ: المنع من تغطية الرأس بعموم مسمى العمامة وما يلحق بها، كالغترة ونحوها، وإذا كان في الحر أو في المطر وظلل رأسه بالمظلة، فهذا يقال عنه: استظل بالمظلة.
وأبعد من هذا يقول النووي: لو وقف الحاج في الخيمة، والخيمة واطية، فدخل رأسه في الخيمة ورفعها، فهل يكون غطى رأسه أو حمل الخيمة على رأسه؟ يقال: رفع الخيمة على رأسه.
أريد أن أبين بهذا أن الفقهاء عند هذه النقاط الأساسية يفرعون عليها بتوسع، ولهذا يؤكد العلماء ضرورة أو حتمية دراسة الفقه قبل دراسة الحديث لطالب العلم إذا أراد أن يتوسع في معرفة الفقه، ويكون الحديث تثبيتاً وأدلة لما قرأ من الفقه، وإذا درس طالب العلم الحديث فلا يقتصر على كتب الحديث مهما كان الشرح فيها متوفراً واسعاً، وللأسف لم أجد كتاباً شارحاً لبلوغ المرام شرحاً وافياً يكتفى به أو يستغنى به عن غيره.
ولا يمكن أن تقف على حقيقة شرح بلوغ المرام إلا في الأحاديث التي رواها البخاري أو هي من المتفق عليه، فترجع إلى شرح المؤلف وهو فتح الباري على صحيح البخاري، فتجد الكلام وافياً على ذلك الحديث في ذاك المكان، أو ترجع إلى شروح السنة، فحينما يقول: رواه النسائي أو أبو داود أو الترمذي، فترجع إلى مراجع الحديث وتقرأ الشرح هناك موسعاً، فتستطيع أن تلم بحقيقة الأحاديث أو النصوص الواردة في بلوغ المرام.
ومن وراء ذلك المجاميع والموسوعات الفقيه، مثل المجموع للنووي، وهو خاص بمذهب الشافعية، ولكنه يفرع ويذكر مذاهب الأئمة الآخرين، وكذلك المغني لـ ابن قدامة، فإنه وإن كان خاصاً بالحنابلة إلا أنه أيضاً يفرع ويأتي بأقوال بقية المذاهب.
إذاً: العمامة هنا رمز لكل ما يغطي الرأس، ثم نأتي إلى تحقيق المناط فيما هو غطاء للرأس.