وجوه وأوجه: جمع وجه، وقد جاء تفسير ذلك عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها الأنساك الثلاثة: التمتع، والإفراد، والقران، ولكن نلاحظ أن المؤلف رحمه الله أوجز في هذا الباب فيما كان ينبغي زيادة بعض النصوص، وهنا نجد النص الذي عندنا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: خرجنا -جماعة- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمنا من أهل بكذا، ومنا من أهل بكذا، ومنا من أهل بكذا، فمن أهل بعمرة تحلل عندما وصل، ومن أهل بحج أو بحج وعمرة ما أحلوا حتى يوم النحر، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفرداً.
إذا جئنا إلى الحديث، نجد أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها نقلت لنا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل نقلت لنا أعمال الناس؟ لاحظوا هذه الدقة في الحديث، قالت: (خرجنا) (فمنا) ولم تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وإنما ذكرت معه أفعال الناس، فما وجه استدلال المؤلف بحكاية عائشة لحال إهلال الناس؟ المؤلف يسوق هذا مستدلاً لأنواع وأوجه الأنساك الثلاثة، بأي شيء؟ كأنها تقول: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنا ومنا ومنا وهو يعلم ذلك وأقرنا عليه، فيكون الاستدلال هنا بالإقرار، ولكن النص الصريح أولى وأقوى، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها: (لما جئنا ذا الحليفة قال صلى الله عليه وسلم: من أراد أن يهل بالحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بالعمرة فليفعل، ومن أراد أو ومن شاء أن يهل قارناً فليفعل) أي الروايتين أقوى في التشريع؟! خطابه: من أراد أن يفعل فليفعل؛ لأن هذا مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وإلى هنا يتفق الجمهور على وجوه الأنساك الثلاثة، وأوجه الإحرام (لبيك اللهم حجاً) للمفرد، (لبيك اللهم عمرة) للمتمتع إن حج من سنته، (لبيك اللهم حجاً وعمرة) لمن قَرَن النسكين معاً فهو قارن، وعلى هذا تتفق كلمة العلماء شرقاً وغرباً.
ولكن عندنا مباحث مطولة في أمرين: صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، هذه واحدة، المبحث الثاني: إذا كانت الأنساك ثلاثة، فهل هي على المساواة، أو هناك ما هو أفضل من غيره؟