وللحج ميقات زماني، وقد تقدمت الإشارة إلى أن العمرة لا زمن لها (العمرة إلى العمرة) مطلقاً، وإنما تكلم الفقهاء في الأيام التي لا يجوز له أن يأتي بعمرة فيها وهي: الأيام المختصة بالحج، كيوم عرفة، ويوم العيد، وأيام التشريق، فمنهم من يقول: يومان، ومنهم من يلحق اليوم الثالث بها، ومنهم من يفصل: إن كان قد تعجل في يومين فله أن يأتي بالعمرة في اليوم الثالث، وإن لم يكن تعجل فليس له أن يفعل ذلك، وبعضهم يقول: لا يجوز ولو تعجل؛ لأن اليوم الثالث من أيام الحج؛ ولأن جماعة آخرين تأخروا في منى يرمون الجمرات، إذن: جميع السنة وجميع الأيام وقت زمني للعمرة ما عدا يوم عرفة، ويوم العيد، وأيام التشريق الثلاثة على الاحتياط.
أما الميقات الزماني للحج فكما بيّن سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] وأجمعوا على أن الجمع هنا يطلق على الشهرين وبعض الثالث تغليباً، وهي: شوال، وذو القعدة، وبعضٌ من ذي الحجة، فإذا أنشأ الإحرام في الميقات الزماني وقع، وهل يجوز تقديم الإحرام عن الميقات المكاني، وعن الميقات الزماني أو لا يجوز؟ وإذا فعل ما هو الحكم؟ فلو أن إنساناً أحرم بالحج أو بالعمرة من المدينة، أو من المسجد النبوي أو من بيته، فـ مالك رحمه الله أتاه شخص وقال: (أريد أن أحرم من هذا المسجد، قال: لا تفعل، قال: لماذا؟ قال: أخشى عليك الفتنة، قال: وأي فتنة تخشاها؟ قال: أخشى أن يخطر ببالك أنك أحرمت بخطوات أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من مكان أفضل من المكان الذي أحرم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخطر ببالك أنك فعلت خيراً مما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهلك) والآخرون يقولون: إن كان من غير المدينة -وهذا الاحتمال ليس وارداً- قالوا: لا بأس، فيجوز أن يُقدم الإحرام عن المواقيت المسماة، واستدلوا بأمرين: الأمر الأول: جاء حديث: (من أحرم بعمرة من بيت المقدس كان له من الأجر كذا) فقالوا: يُحرم من بيت المقدس، وقوم قالوا: هذا خاص ببيت المقدس؛ لأنه من حرم إلى حرم ولا يجوز ذلك من غيره، وقال الآخرون: جاء عن علي رضي الله تعالى عنه، في قوله سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] قال رضي الله تعالى عنه: (إتمامهما إحرامك بهما من دويرية أهلك) فيجوز له أن يحرم من بلده من أي قطر من الأقطار، لكن العلماء كرهوا هذا؛ لأنه قد يطول عليه الوقت فيضيق عليه الحال فيكون ذلك مدعاة لأن يرتكب محظوراً من محظورات الإحرام لطول الزمن، فالأولى أن يجعلها من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يقولون: أقل الأدنى هي المواقيت، وما وراءها يصح، هذا في الميقات المكاني.
إذاًً: حكم الميقات الزماني قالوا: الميقات الزماني ليس كالمكاني، فمن أحرم بالعمرة فلا زمان لها، ومن أحرم بالحج قبل التوقيت فله ذلك، وهناك من يقول: لا إحرام له ولا نسك، والشافعي رحمه الله يقول: (إن أحرم قبل ميقات الحج بحج انعقد إحرامه، وانصرف إلى ما يصح في ذلك الوقت) ، فلو أحرم بالحج في رمضان على قول الجمهور: لا حج له، والشافعي يقول: (انعقد الإحرام وانقلب إلى عمرة) لأن العمرة تصح في رمضان، وعليه أن يجدد الإحرام بالحج في زمن الحج، والله تعالى أعلم.