تقدم في الحديث الأول: (وقّت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة) وتقدمت المواقيت أن لأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد قرن المنازل، وهنا يأتي المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (وقّت لأهل العراق ذات عرق) وكلٌ من: يلملم، وقرن المنازل، وذات عرق، تبعد عن مكة مرحلتين.
ثم ساق المؤلف رواية أخرى: (أن عمر رضي الله تعالى عنه هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق) وهذا عند العلماء يسمى باختلاف الحديث؛ لأن الرواية الأولى تقول: الذي وقّت لأهل العراق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرواية الثانية تقول: الذي وقّت لأهل العراق هو عمر رضي الله تعالى عنه.
ويجمع بعض العلماء بين الروايتين وأن كلتيهما صحيحة، قالوا: وقّت النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً، ولكن الخبر لم يبلغ عمر، ولما كان في خلافته رضي الله تعالى عنه، ودخلت العراق في الإسلام، فسألوا عمر أن يوقِّت لهم فوقت لهم ذات عرق، وغاية ما هناك أن يكون توقيت عمر وافق توقيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بعيداً على عمر رضي الله تعالى عنه، فقد وافق القرآن الكريم في ستة مواضع، فلا غرابة من أن يوافق السنة في هذا الموضع، وبعضهم يقول بالترجيح؛ لأن خبر عائشة فيه راوٍ ضعيف، وخبر عمر أصح سنداً، وعلى كل فقد انعقد الإجماع على أن ميقات أهل العراق هو ذات عرق.
ثم يأتي المؤلف بهذا الخبر الآخر: (وقّت لأهل المشرق العقيق) ، وهو: من العقوق وهو أن يشق السيل الأرض، أي: يعقها، والمعروف منه: وادي العقيق بالمدينة، وهو الذي يمر بذي الحليفة وينزل إلى عروة إلى سلطانة إلى ملتقى الأسيال إلى الغابة.
ووادي العقيق بالطائف، وكلاهما بهذا الاسم، ويقال: هناك ثالث باليمن، والله تعالى أعلم؛ فقالوا: رواية أهل المشرق هم أهل العراق، والعقيق هو بنفسه يمر أو يقع بذات عرق، فإذا كان ذات عرق بالعقيق؛ فلا منافاة بين التسمية؛ لأن كليهما يصدق على مكان واحد، ويرى بعض العلماء أن هذا التوقيت من عمر قياساً، أي: على تباعد ما سنه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مواقيت اليمن ونجد.