وفي هذا الحديث: أن المرأة سألت، وفي رواية: جاء أبوها يعرضها، أو يعرض بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأب موجود، فكيف تسأل عن عجزه عن الحج؟ قالوا: لعل المراد: الأب الأعلى، وهو: جدها، وقالوا: لعلها قضية أخرى، يهمنا صيغة السؤال وصيغة الجواب، قالت هذه المرأة: (إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة) .
فقولها: (لا يثبت) .
أي: لا يثبت بنفسه على الراحلة، وجاء في بعض الروايات: (أن امرأة سألت، وقالت: إني أخشى إن أنا شددته على الراحلة بالحبل أن أقتله) وجاء -أيضاً مرةً أخرى- (أن رجلاً سأل عن أبيه وقد عجز، ولا يستطيع أن يربطه ويثبته على الراحلة) .
وهذه الصور بمجموعها تعطينا أن هذا العاجز قد بلغ به عجزه إلى حد لا يستطيع أن يثبت بنفسه على الراحلة.
وهنا ينظر العلماء في هذا العجز ما سببه؟ إن كان للشيخوخة فهو لا يرجى عوده إلى الشباب والصبا، فهو ميئوس من ذهاب هذه العلة عنه، أما إذا كان مريضاً مرضاً عارضاً ويظن أو يرجى له البرء فإن حكمه يختلف، ومن هنا قال بعض العلماء: لا يجوز الحج عن الغير في حال الحياة إلا إذا كان عاجزاً بهذه الصفة، أو بسبب لا يرجى برؤه ولا زواله، فحينئذٍ يجوز أن يحج عنه، والكلام في حجة الفرض لا في النوافل؛ لأنهم متفقون على أن الحج نافلة عن الغير يصح، ولو كان الغير سليماً معافى، اللهم إلا قولاً للمالكية يخالف في ذلك.
إذاً: هذا المبحث ونظيره إنما هو في حجة الفرض لا في حجة النفل.
فقالت: (أفأحج عنه؟) (قال: نعم) يعني: نعم حجي عنه، وهنا قد يأتي البعض ويقول: هذا مجرد جواز الحج عنه، ولكن هل يسقط به الفرض أم لا؟ لا حاجة إلى هذا التساؤل؛ لأنه كما يقال: الجواب يتضمن السؤال، فهي سألت عن أبيها، وقد أدركته فريضة الحج على العباد، فهل قوله: حجي عنه، يكون حج فريضة أم حج نافلة؟ لا شك أنه حج فريضة، وسيأتي ما يبين ذلك أكثر، وأن هذا واجب عليها، وكما سيأتي في قصة المرأة التي سألت عن أمها التي نذرت حجاً وماتت ولم تحج، فقال لها: (أرأيت لو كان على أمك دين؟ -إلى أن قال- دين الله أحق) .
إذاً: ما دام قد تعلق بذمته وجوب الحج، فسألت: هل تحج عنه أم لا؟ وأجابها: بنعم، فيكون ذلك حج الفريضة.