[عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا رسول الله! أخبرني عن العمرة، أواجبة هي؟ فقال: لا، وأن تعتمر خير لك) رواه أحمد والترمذي والراجح وقفه، وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف، عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً: (الحج والعمرة فريضتان) .
] هذا ترتيب حسن من المؤلف رحمه الله، فبدأ كتاب الحج بحديثين موضوعهما بيان فضل الحج والعمرة، والترغيب فيهما، وكأنه يدعو الناس ويرغبهم في الحج والعمرة، ثم دخل في موضوع الأحكام.
فقوله: (العمرة إلى العمرة كفارة) لكن هل هي واجبة أم سنة؟ وقوله: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) هل هو واجب أم ليس بواجب؟ مع أن الحج مفروغ من أمر وجوبه، فوجوبه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران:97] (لله على) هذا آكد من قوله: (أوجبت) ؛ لأنه أصبح ديناً وحقاً لله على العباد، والفرض قد يسقط، والدين لا يسقط.
وفي نهاية الآية الكريمة: {مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] ثم قال: {وَمَنْ كَفَرَ} [آل عمران:97] هذا وعيد شديد، {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ} [آل عمران:97] أي: ومن لم يحج، فإن الله غني عنه، ولكن ما جاء المقابل من جنسه، فلم يقل: ومن لم يحج، بل جاء بديلاً عن من لم يحج (ومن كفر) ليبقى كما يقول أهل المنطق الماصدقي (ومن كفر) تصدق على من لم يحج، أو من لم يحج كفر.
وقد جاء عن عمر أنه قال: (من استطاع الحج ولم يحج، فليمت إن شاء نصرانياً، أو يهودياً) وجاء عنه كذلك: (لقد هممت أن أبعث رجالاً للأعراب على مياههم، ينظرون من استطاع الحج ولم يحج، فليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين! ما هم بمسلمين! (.
إذاً: بدأ المؤلف في بيان الأحكام، وبدأ بالعمرة؛ لأنها محل الخلاف، أما الحج فلا خلاف في وجوبه بالشرط المذكور: (من استطاع) .