بدأ المؤلف رحمه الله بهذا الحديث: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) .
موضوع هذا الحديث هو الترغيب في هذين النسكين العظيمين: (العمرة إلى العمرة) أي: الزيارة إلى البيت، من أي قطر من أقطار الدنيا، فأداء عمرتين يكفر ما بينهما من ذنوب، طال المدى أو قصر، ويأتي بحث للعلماء في نوعية المكفَّر أهي الكبائر، أم الصغائر، أم هما معاً؟ وقد جاءت أحاديث فيما يسمى بمكفرات الذنوب، جاء في القرآن الكريم: أن اجتناب الكبائر يكفر الصغائر: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيئاتِكُم} [النساء:31] ، وجاء أيضاً: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما، وزيادة ثلاثة أيام) ، وكذلك المشي إلى المساجد للصلوات الخمس، وكذلك يوم عرفة، إلى غير ذلك من النصوص التي وردت في مكفرات الذنوب.
ويرى بعض العلماء أن هذا عام (العمرة إلى العمرة كفارة) لم يأت قيد لكبيرة ولا لصغيرة، ولم يأت قيد لحق الله أو لحق العبد، والعلماء مختلفون في هذه المسألة: فهناك من يقول: تكفر حق الله وتكفر حق العباد على الإطلاق.
وهناك من يقول: تكفر حق الله فقط، أما حق العباد فمتوقف على الأداء.
وهناك من يقول: تكفر الصغائر فقط ولا تكفر الكبائر.
وأشد من تشدد في ذلك ابن عبد البر رحمه الله، والذين قالوا: تكفر حتى حقوق العباد، مع أن حق العباد لا يسقطه حتى الجهاد وحتى الشهادة في سبيل الله؛ لأن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماذا تكفر الشهادة -فأخبره بأنها تكفر كل شيء-؟ ثم ولى، فدعاه مرة أخرى، وقال: إلا الدين، فإن الميت مرهون في قبره بدينه) وقالوا: إن حق العبد مبني على المشاحة، فهو يقف بين يدي الله ويطالب بحقه.
فالذين قالوا: إنها تكفر كل شيء حتى حقوق العباد، قالوا: إن الله سبحانه قد وعد بذلك، فهو الذي يتولى إرضاء ذوي الحقوق عن حقوقهم، وقد جاءت نصوص وفيها: (إذا كان الناس في عرصات القيامة، ترفع غرف يراها أهل الموقف كما يرى أهل الأرض النجوم في السماء، فيقولون: يا ربنا! لمن هذه الغرف؟ فيقول -سبحانه-: لمن تنازل عن مظلمة له عند أخيه) ، فكل ذي مظلمة يتنازل لينال من تلك الغرف الرفيعة المنازل، كرفعة النجوم في الدنيا إلى غير ذلك.
ومهما يكن من شيء فهذا نص عام، إلا أن المسلم العاقل لا ينبغي أن يتكل على ذلك كل الاتكال، فعليه أن يؤدي حقوق العباد، وأن لا يقصر في حقوق الله.