وهنا يقف العلماء أمام هذه النصوص الصحيحة: ليلة واحد وعشرين وفيها المطر، وليلة ثلاث وعشرين أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل المسن بالنزول فيها، وليلة سبع وعشرين رؤياهم تواطأت فيها، فكيف يكون هذا مع أن إحدى وعشرين تغاير ثلاثاً وعشرين وتغاير سبعاً وعشرين، فهل هذا تناقض أو تعارض؟ قالوا: ليس فيه تناقض ولا تعارض وإنما في السنة التي سألوا فيها أولاً كانت في ليلة واحد وعشرين، وفي السنة التي رأوا فيها الرؤى كانت في ليلة سبع وعشرين، وفي السنة التي سأل فيها الجهني وقد صارت معروفة عند أهل المدينة بليلة الجهني؛ لأنه كان ينزل في العصر وينيخ دابته، فيصلي العصر، ويبقى إلى أن يصلي الفجر، ودابته عند الباب فيركب ويرجع إلى مكانه، فعرفت بليلة الجهني كانت في ليلة ثلاث وعشرين فقالوا: كل حادثة كانت ليلة القدر في سنتها في ذلك التاريخ، فإذاً: هي ليست بثابتة، ومن هنا قال الشافعي وغيره: إن ليلة القدر ليست مربوطة ومعينة بليلة واحدة من الوتر من العشر الأواخر، بل هي تتنقل وتدور في الوتر من العشر الأواخر، فمرةً تكون في ليلة واحد، ومرةً تكون في ليلة ثلاث، ومرةً تكون في ليلة تسع وعشرين، ومرةً تكون في ليلة خمس، ومرةً تكون في ليلة سبع، فهي ليست مرتبطة وثابتة في ليلة من الليالي، ولكنها تتنقل في الوتر من العشر الأواخر.
وهذا أحسن ما يجمع به بين النصوص، وهو يساعد على المعنى الذي قالوه في الحكمة من إخفائها: ليجتهد الناس في كل العشر الأواخر.