وبهذه المناسبة يا إخوان! في ذكر يومي العيدين، جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة وجد عند الأوس والخزرج أعياداً يحتفلون بها، وهذه عادة الأمم أنهم يجعلون أيام الخير أو المناسبات أعياداً، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (لقد أبدلكم الله بهذه الأعياد يومين خيراً منها: يوم الفطر، ويوم الأضحى) ، وأبطل بقية الأعياد، وإن سميت اجتماعية أو شعبية أو غير ذلك، ولو تأملنا أيها الإخوة! في جميع مسميات أعياد العالم عند جميع الأمم لوجدناها تخيلاً وليست حقيقية، وسنجدها أعياداً في الذاكرة وليس في الواقع، بخلاف عيدي الإسلام، ومن هذه الأعياد التي يختلفون بها: عيد رأس السنة، وعيد الجلاء، وعيد الاستقلال، وهذه أعياد عند أهلها؛ لأنهم نالوا فيها الحرية من سلطة المستعمر، ونالوا خلاء بلادهم ممن كان جاثماً عليها، ولأمور أخرى سواء كانت دينية أو كانت دنيوية، ونقول: إن هذا الحدث الذي وقع عند الأمم لا يتكرر، ولم يقع إلا مرة واحدة يوم أن حدث، فمثلاً: عيد الاستقلال، الدولة التي نالت استقلالها نالته مرة واحدة، فيوم أن استقلوا احتفلوا به وصار ذلك اليوم عيداً عندهم، وموعده من السنة الآتية عيد الاستقلال مع أنه قد ذهب وانتهى، إذاً: فهو عيد للذكرى الماضية، وهكذا جميع الأعياد، أما في الإسلام فعيد الفطر يتكرر؛ لأنّا في كل سنة نصوم ونفطر، كل سنة نصوم ونعيّد، فعيد الفطر على هذا واقع فعلي وليس مجرد ذكرى وخيال، وكذلك عيد الأضحى، ففي كل سنة من الأمة من يحجون ويفيضون من عرفات مغفوراً لهم، فيكرمهم الله بعيد الأضحى.
إذاً: لم يأتِ عيد الفطر ولا عيد أضحى خيالاً أبداً، إنما هو واقع، فعيد المسلمين عملي، يصومون ويعيدون، ويحجون ويعيدون، أما بقية أعياد العالم كله، لا تتكرر على حقيقتها، ولكن على ذكرياتها، مناسبة العيد أنه هو اليوم السعيد الذي عاد على الأمة بخير جديد.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم أبطل أعياداً متعددة متكررة لأنها باطلة وقد انتهى مفعولها، وأصبحت على الذاكرة والخيال، وأبقى عيدي الإسلام لأنها عملية، يأتي موجبهما في كل سنة فتتجدد النعمة بمجيئهما، إذاً: من الناحية التشريعية إبطال الرسول صلى الله عليه وسلم لتلك الأعياد التي كانت عندهم أمر واقعي، والنهي عن صوم يومي العيدين أيضاً كذلك أمر واقعي وعملي، ولا ينبغي لعبد أن يعرض عن ضيافة المولى وإكرامه لعباده في هذين اليومين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.