قال رحمه الله: [وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليه) رواه الدارقطني والحاكم وصححاه] .
هذه القضية تتعلق بالمرضى ومن في حكمهم، والمرضى على قسمين: قسم مرضه مؤقت عارض، ينتظر زواله، وتمتعه بالصحة، ومرض لا يرجى زواله، إما أن يكون مرضاً عضالاً -عافانا الله وإياكم- وإما أن يكون مرض الشيخوخة، والشيخوخة لا علاج لها إلا الشباب، وكما قيل: ليت شباباً بوع فاشتريته، و (ليت) لا تأتي بشيء.
فإذا كان إنسان مريضاً مرضاً مزمناً، واتفق الأطباء على أنه لا شفاء له منه، وإنما يصحبه مدة حياته، وما قدر الله له أن يعيش، فهل ننتظر من هذا عدة من أيام أخر؟! لا ننتظر منه، كذلك الشيخ الكبير، وصل إلى التسعين أو المائة وتعدى إلى القرن الثاني، فهل ننتظر منه أن يعود إلى شبابه ليأتينا بعدة من أيام أخر؟ قالوا: لا، فهذان الصنفان: مريض بتلك الحالة أو كبير في السن إلى ذلك الحد؛ رخص الله لهما ابتداءً من أول الشهر، فلكل واحد منهما أن يفطر ولا قضاء عليه؛ لأنه لا ينتظر مجيء فرصة قضاء، وماذا يفعل؟ يطعم عن كل يوم مسكيناً، وهل يطعم ذلك يوم بيوم أو يؤجل ذلك كله إلى آخر الشهر أو يعجل هذا كله في أول الشهر؟ كل ذلك جائز باتفاق، وكان أنس رضي الله تعالى عنه حينما كبر، إذا دخل عليه رمضان جمع ثلاثين مسكيناً وأطعمهم، ثم قال: يا رب! هذا إطعام عن صومي طيلة الشهر.
إذاً: هذا ليس عليه صيام، ولا ينتظر منه قضاء، وإنما عليه إطعام، فيطعم عن كل يوم مسكيناً {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة:184] ، يعني: إن أطعم عن اليوم مسكينين أو ثلاثة أو أكثر فلا مانع من ذلك، لكن يعرف الحد الأدنى وهو إطعام مسكين عن كل يوم، وما زاد بعد ذلك فهو تطوع منه.
وبالله تعالى التوفيق.