قوله: (من لم يدع قول الزور، والعمل به) العمل بالزُور يشمل كل عمل منهي عنه؛ لأن الزور باطل، وكل عمل منهي عنه فهو باطل، يبدأ الإنسان في معاملاته أولاً في بيته مع أهله، إذا لم يفِ بالوعد، أو كانت معاشرته فيها نوع من التعالي، أو نوع من الامتنان، أو نوع من التقصير.
فكل ذلك عمل بالزور، أو إذا خرج إلى السوق يتعامل بالمعاملات المنهي عنها، وأعلاها: الربا، ثم التدليس، الغش، فالصانع في صنعته، والأجير في عمله، إذا لم ينصح ولم يؤدِ الواجب الذي عليه فهو عامل بالزور؛ لأنه يأخذ أجراً على غير ما عمل، مثلاً: كان مؤاجراً على يوم كامل، واليوم عمله ثمان ساعات أو عشر ساعات حسب العرف، وهو أخذ يراوغ حتى لم يعطِ من العمل إلا نصف الوقت، أو استئجر على بناية جدار أو صناعة شيء فدلس في البناء ولم ينصح، فمثلاً ربط اللبن بعضه ببعض، ولم يحسن العمل، أي نوع من الغش في الصنعة فهو عمل بالزور.
إذاً: الحديث يحث الصائم على أن يكون صومه -كما قال بعض السلف- عفيفاً كريماً، كما قال جابر: لا يصوم الإنسان حتى تصوم جوارحه.
وصوم الجوارح -كما أسلفنا - هي أن تصوم العين عن التطلع إلى المحرم، وإذا صادف أمامه شيئاً فجأة غض البصر، ولم يتبع النظرة النظرة، وكذلك إذا سمع قوماً يخوضون في حديث لا يرضي الله أعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإذا رأى جماعة يشتركون في عمل فيه فساد، سواء كان لفرد أو للجماعة أو للأمة من إتلاف المرافق العامة أو نحو ذلك فإنه إن سكت عن ذلك فهو أيضاً داخل في هذا الباب.