قوله: (صوموا لرؤيته) خطاب لأهل المدينة في ذلك الوقت أو خطاب للأمة كلها؟ من قال: هو خطاب لمن كان موجوداً في ذلك الوقت، قال: خاص بهم.
ومن قال: هو عام للأمة كلها، قال: إذا رئي في بلد وجب على جميع بلاد العالم الإسلامي أن يصوم.
ولكن وجدنا الأخبار والعمل على اعتبار كل قطر لمطلعه، كما في قضية ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مع كريب، فـ كريب أرسلته بعض أمهات المؤمنين إلى معاوية رضي الله تعالى عنه وهو خليفة بالشام، فأدركه رمضان بالشام، ورءوا الهلال ليلة الجمعة، وأصبحوا صائمين يوم الجمعة، ثم جاء كريب إلى المدينة وهم في رمضان، فتحادث هو وابن عباس عن أهل الشام، وعن معاوية وعن رمضان، فقال كريب: أما رمضان فقد رأينا الهلال ليلة الجمعة.
قال: أنت رأيته؟ قال: نعم، رأيته وصمنا وصام معاوية وأمر بالصوم.
فقال ابن عباس: أما نحن -وكان في المدينة- فلم نره إلا ليلة السبت.
فقال: ألا تكتفي برؤية معاوية وصومه؟ قال: لا، بهذا أمرنا رسول الله، فقوله: (صوموا) خطاب لكل قطر على حدة.
بقي الخلاف والنزاع في تباعد الأقطار وتقاربها، وبعضهم يقول: السياسة تدير الأمر، فإذا تقاربت السياسة صمنا برؤية البلد الفلاني، وإذا تباعدت السياسة، يقولون: لم يثبت عندنا.
يا سبحان الله! ونجد كثيراً من طلبة العلم يشغلون أنفسهم بهذه المسألة، فالآن السعودية ثبت عندها رمضان يوم الثلاثاء، من الذي يمنع العالم كله أن يأخذ بهذه الرؤية؟ هل هناك مانع؟ لا يوجد مانع، هل هناك ملزم يجبرهم بالصيام معنا؟ لا، لا يوجد ملزم، فهي أمور شخصية، فهم يقولون: لا نقبل، لا نثق، إذاً: سندخل معهم في ملاحاة، فنقول: حينما يثبت عندكم رؤيته صوموا، وحينما يثبت عندكم رؤيته أفطروا، ونصيحتي: أن هذه القضية بالذات لا ينبغي أن تكون مجالاً للبحث وللنقاش، ولا نتهم الأمة بالفرقة من أجل هذا، أو ندعو الأمة إلى الوحدة في هذا، فلا يوجد حاجة إلى هذا كله؛ لأنه لا تكون هذه الوحدة أبداً، نحن الآن في هذا الوقت هنا، ولو سألت عن بلد يقع شرقاً عنا على بعد ألفين ميل لوجدتهم قد أفطروا من قبل ساعات، وصلوا العشاء، ولو أنك أفطرت هنا وسألت عن بلد في الغرب: هل أفطرتم؟ يقولون: لا، نحن لم نصل العصر بعد! فالتوقيت -مثلاً- بينك وبين الدار البيضاء في المغرب ثلاث ساعات، فنحن نفطر، ونصلي العشاء، ونصلي التراويح، ونرجع إلى بيوتنا، ثم هم يقولون: باسم الله، اللهم! لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا.
إذاً: لا يوجد وحدة في هذا، وهل هذا يعيب العالم الإسلامي؟ لا، الوحدة تكون عملياً في غير ذلك، الوحدة تكون على تحكيم كتاب الله، الوحدة تكون في نظام الإسلام وفي تشريعه، الوحدة تكون في أعمال المسلمين بما فرض الله، نوحد الزكاة، نوحد الأموال، هل استطاعوا أن يوحدوا العملة النقدية؟ ما استطاعوا؛ لأنها أمور تختص بالبلد، ولا حاجة لكثرة الكلام في هذا، وإذا ما اتحدت قلوب المسلمين، فبنعمة من الله يستطيعون أن يوجدوا الوحدة بأبسط من ذلك، الآن بدءوا يقولون: وحدة التعرفة الجمركية، وحدة التعرفة البريدية، وحدة كذا، وهم الآن مضطرون إلى أن يوحدوا وسائل المواصلات، وتتبادل الشركات تذاكر بعضها بعضاً اضطراراً.
إذاً: النزاع في كون رؤية الهلال رؤية للعالم كله أو ليست رؤية للعالم كله، هذه أمور نظرية وليست عملية، وعلى هذا فكل بلد له مطلعه، والذي يهمنا أن العالم الإسلامي ينبغي أن يرتبط في دخول رمضان وخروجه بهذه الآية الكونية الكبيرة، ألا وهي: رؤية الهلال، فإن غم عليكم فأكملوا العدة، أما أن نحسب مقدماً، ونعلن الصوم قبل مجيئه بأيام، ونقول: سيكون يوم كذا، والعيد سيكون يوم كذا، على أساس الحساب والتقدير، فالحساب والتقدير قطعاً لا يخلوان من الخطأ، والله ما تعبدنا ولا كلفنا أن نتحمل هذه المشاق، وإذا عرف الحساب بعض الأفراد فمن الذي يحسب لأهل البادية، وأهل الأرياف الذين لا يعرفون حساباً؟ إن قلت: إن الدولة ستخبرهم.
فكيف بالذين لم تصلهم مواصلات الأخبار؟ وكم يوجد من أهل البادية في الجبال وفي الكهوف! كم يوجد من البوادي بعيدة عن المواصلات! فهؤلاء عندهم توقيتهم، إذا رءوا الهلال لا يحتاجون إلى إخبار ولي أمر، فيصومون لرؤيته، وإذا رءوا الهلال يفطرون لرؤيته، وهكذا.
إذاً: قضية الحساب، وقضية تعميم الرؤية، فيها نظر، والله أسأل أن يوفقنا وإياكم جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يأخذ بنواصينا ونواصي ولاة أمورنا إلى الحق، وإلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.