بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: قال الغزالي رحمه الله: العلوم أربعة: علوم عقلية، وعلوم تجريبية، وعلوم ظنية، وعلوم توقيفية.
أما التوقيفية: فهي كل ما يتعلق بالغيب من صفات المولى سبحانه، وأحوال القبر، وأحوال القيامة، ونعيم الجنة، وعذاب النار -عياذاً بالله-، فكل ذلك توقيفي لا نجزم بشيء منه إلا بخبر يقين عن صادق، فلا نستطيع أن نحكم بشيء، بل نتوقف، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مررت بأخي موسى في قبره قائماً يصلي، ولو كنت هناك لأريتكم قبره بجانب الكثيب الأحمر) ، بالتحديد، ثم إذا به يرى موسى يستقبله مع الأنبياء في بيت المقدس، ثم إذا به يرى موسى في السماء السادسة يستقبله، فهل العقل يستطيع أن يحكم بذلك؟ لا، بل هو توقيف، ومثله قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد:15] ، هل نستطيع أن نحكم أن حقيقة الخمر واللبن والعسل في الجنة كما هو عندنا؟ والميزان الذي يزن الأعمال، هل هو ميزان حرارة أو ميزان كذا أو كذا؟ والبطاقة التي فيها "لا إله إلا الله" ترجح بسجلات مد البصر، هذه أمور غيبية لا دخل للعقل فيها.
العلوم التجريبية: مثل علم الطب؛ لأن الصيدلة ومعرفة خواص الأشياء من نباتات أو معادن أو كيماويات إنما هي بحسب التجربة، ويقال في علم الصيدلة: إن أكثر من خمسين في المائة من الأدوية المتداولة اكتشفت عن طريق الصدفة أثناء التجارب! ينتقل الصيدلي أو الكيميائي في معمله من قصد إلى قصد آخر لشيء فاجأه في بحثه.
أما العلوم العقلية: مثل الرياضيات -الحساب والهندسة- لا يمكن أن قضية رياضية تخطئ؛ لأن القواعد الرياضية لا خطأ فيها، وإنما يأتي الخطأ من العقل الذي يعملها.
مثلاً: (5×6=30، 6-5=1، 1+5=6) فهذه لا تتغير، مهما حورت ومهما دورت في عمليات الأرقام؛ ولذا جعلوا لها الآن قواعد جمادات، فالآلة الحاسبة نظموها على تلك العقليات الرياضية فلم تخطئ، الإنسان يخطئ عشرين مرة، والآلة الحاسبة لا تخطئ لماذا؟! لأنها لا تملك الخطأ، وتعجز عن الخطأ؛ لأن الخطأ نتيجة اجتهاد، والآلة لا اجتهاد لها.
أما العلوم الظنية: مثل العلوم الفلكية، وإن كان الفلكيون الآن سيروا المراكب في الفضاء، وأرسلوا الصواريخ، وفعلوا وفعلوا، لكن لا زالوا في دائرة الظنيات.
إذاً: إذا اعتمدنا في الصوم على الحساب فلن نخرج عن نطاق الظنيات؛ ولهذا جاء الحديث صحيح: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة) ، إن كنا في أول رمضان أكملنا عدة شعبان ثلاثين، وإن كنا في آخر رمضان وغم علينا أكملنا عدة رمضان ثلاثين يوماً، وانتهت القضية، والحمد لله.