والإنفاق على الأولاد واجب، لاسيما في الأوقات التي تكثر فيها البطالة أو العطالة، وهذه البطالة من أشق ما يكون في الدول، وهي أخطر حالة اجتماعية في الدول بصفة عامة، لا يقال: النامية أو المتحضرة، بل كل الدول تشتكي وفرة العطالة في رجالها.
وقدمنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى على البطالة بعمل فعليٍ سريع في الشاب الذي جاء يطلبه الصدقة، ونظر إليه فوجد فيه قوة، فقال: (لا تحل لك) ، قال: ليس عندي شيء أي أن يده عاطلة، وليس هناك مجال للعمل.
وبالمناسبة يجب على ولاة الأمور في العالم كله دون استثناء أن يوفروا فرص العمل للشباب في حدود إمكانات الدولة، سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام، وتستطيع الدولة أن توجد مجالات للعمل، ولتشغيل الأيدي الخالية الفارغة، وهذا مكسب للدولة، ومكسب للأمة؛ لأن هذه طاقة معطلة، فإذا وجدت لها فرص العمل فالدولة تستفيد من تلك الطاقة في الإنتاج.
فلما قال: ليس عندي شيء ولا أجد شيئاً، عذره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يتركه، فقال: (ماذا عندك؟) ، قال: عندي حلسٌ وقعب، فقال: (علي بهما) ، وأمره أن يذهب ويحتطب ويأتي ويبيع؛ لأن هذه الطاقة البدنية إذا عطلت فهو خطر، خطر على نفسه وعلى المجتمع، لكنه يصرفها في صعود الجبال، وتكسير الحطب، وحمله وبيعه في السوق وحصوله على المادة.
حزمة الحطب التي سيأتي بها ليبيعها ليست قيمتها في حمل الحطب وأعواده، ولكنها في الطاقة التي ستحدثها في المدينة أو في القرية، ستأخذ العجوز منها، وتغسل ثيابها بماءٍ حار، وتخبز عجينها، وتنضج طعامها، وكذلك الرجل، وكذلك أهل البيوت الأغنياء والأثرياء يستدفئون منها، ويخبزون عجينهم، كل هذه الطاقة تتوزع في البلد، وتدير إنتاجاً، وتحصل فائدة عامة على الغني وعلى الفقير وعلى القوي وعلى الضعيف بتلك الطاقة الحطبية! ونحن عندنا الآن الطاقة الكهربائية، إذا تعطل التيار ساعة أو ساعتين صاح الناس: الثلاجة وقفت، الثلاجة فيها خضار، فيها لحوم؛ ستفسد الأشياء الموجودة، عجلوا اتصلوا!! كل هذا لأنها طاقة كانت تعمل وكانت تنتج ثم تعطلت، وهكذا الطاقة البشرية، وهي أغلى ما يكون في العالم؛ لأنها هي الطاقة الإنتاجية، فمن الذي يحرث الأرض؟ ومن الذي يغرس الشجر؟ ومن الذي يجني الثمر؟ ومن الذي يدير المصانع؟ ومن الذي يدير المتاجر؟ ومن الذي يعلم الجاهل؟ ومن؟ ومن؟ كل ذلك بالطاقة البشرية.
وكنت في مجلس الوزراء، فسمعت كبيراً من الكبراء يقول: نحن نستورد حتى الطاقة البشرية؛ لأننا في حاجة إليها، فالطاقة البشرية هي أعزُّ وأغلى ما يكون، فالطاقة الكهربائية والطاقة الاقتصادية الطاقة وجميع الطاقات مدارها على اليد العاملة، وعلى استخدام الطاقة البشرية؛ لأنها هي المنتجة.
إذاً قوله: (على ولدك) يدل على الإنفاق عليه، فإذا وجد الولد ما يعمل واستغنى فالحمد لله، وإذا لم يجد فواجب علينا أن نكفيه، وإذا لم نكفِه وننفق عليه ماذا سيفعل؟ الجواب معروف للجميع، ويكون هذا دفع منا له إلى طريق الشر حتى يحصل على النفقة التي يحتاجها، ولا يبالي من أين يأتي بها، فإذا أبطلنا اليد ولم نسخرها ونيسر لها العمل النافع، والعمل المنتج، والعمل المشروع، فستنقلب عكساً على الأمة وعلى المجتمع وعلى شخصه، فهو إذا انحرف في سلوكه فأول من يضر نفسه، فيسلط على نفسه المسئولين والشرطة، ثم يضر المجتمع في سلوكه.
وإذا لم يكن عندي نفقة للولد فيمكن أن أيسر له العمل بقدر المستطاع، ولهذا كان لابد من العناية بالأولاد، والعناية بالإنفاق على العاطلين أو تشغيل اليد العاطلة، وتعتبر هذه من أهم قضايا المجتمعات بدون استثناء.
وفي بعض الإحصائيات: كذا مليون في أمريكا يدٌ عاطلة، كذا مليون في كذا هذه مصائب! وترجع بالعكس كما أشرنا على المجتمع، ونحن في غنى عن أن نذكر الأحداث والإحصائيات التي تنشرها الجرائد أو تذيعها الإذاعات بسبب تلك الأيدي العاطلة، وما تعكس من أضرار على مجتمعاتها، بل قد ينعكس على بيته وأهله.
إذاً قال: (على ولدك) ، حتى لا يكون عالة، وحتى لا يكون آلة إفساد، وحتى لا تنطلق تلك اليد بقوة إلى الشر، ويفسد في الأرض، ويفسد نفسه، ويضر أباه بالذات، فقد يرجع وباله على أبيه وعلى بيته، ومن هنا كان الإنفاق على هذا الولد صدقة: (تصدق به على ولدك) .
وأعتقد أن هذا المجال واسع، ويكفي الإشارة والتنبيه إلى رءوس المواضيع في هذا، والله تعالى أعلم.