كان سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه في غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتوفيت أمه في غيبته، فلما جاء سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن تصدقت عنها هل ينفعها؟ وقيل: إنها كانت تكلمت في مرض وفاتها، لو تملك شيئاً لتصدقت به، أو سألوها: لو تصدقتِ؟ فقالت: المال مال سعد، وليس لي مال أتصدق به، فعلم ولدها أنها كانت ترغب في الصدقة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، قال: أشهدك أن مال كذا -بستان له في المدينة- صدقة في سبيل الله، قال: في أي شيء أضعه؟! قال: (في سقي الماء) ، فكانت لها سقيا في المدينة، تسمى سقيا أم سعد.
ومن حكم العوام: اسق الماء وأنت على الماء، أي: وأنت واقف على سبيل أو جالس عند ماء زمزم، فجاء إنسان وسقيته، فهذه صدقة منك عليه، ولك فيها أجر، وكذا لو كنت على نهر وإنسان يمشي فطلب أن تسقيه، فناولته من النهر وأعطيته؛ فهذه صدقة أيضاًَ، وروي أن جبريل عليه السلام قال: (يا رسول الله! إن الملائكة لتعجب من ثواب عملين من أهل الأرض، تمنت لو أنها عملت مثل ذلك، قال: وما هما؟ قال: سقي الماء، وإصلاح ذات البين) .
وسبق -يا إخوان- أن قلنا: إذا وجدنا الحديث يجمع بين أمرين فيجب أن نفتش ما هي الرابطة بين هذين الأمرين؟ لا يمكن أن تأخذ بلبلاً يغرد وتربطه مع غرابٍ يصيح؛ لأنهما غير متناسبين، لكن عندما تأخذ بلبلاً يغرد وشحروراً يصدح؛ فهذه متناسبة، وجمع الجواهر النفيسة في عقد واحد متناسب، لكن أن تأخذ من الجواهر، وتأخذ من نوى التمر أو من الحصى وتنظم منه عقداً! هذا غير متناسب.
إذاً: إذا رأيت أمرين فأكثر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر ما هي المناسبة؟ وما هو العامل المشترك الذي جمع بين هذه الأمور في حديث واحد؟ فلو نظرت هنا: سقي الماء وإصلاح ذات البين، فإنك تجد الرابطة بينهما قوية؛ لأن سقي الماء به حياة النفس، وإصلاح ذات البين به حياة المجتمع؛ لأنه إذا ترك وقع الفراق أو النزاع أو الخصومة بين الناس؛ وكانت الحالقة، وصارت فتنة أكلت الأخضر واليابس، فكان فيها الهلاك.
إذاً: هذا الحديث يعطينا المنهج الذي ينبغي على المتصدق، وفاعل الخير أن يسير عليه.