وفي نهاية المطاف نجد هذه الآثار المتقاربة، والمتضادة، والمتقابلة؛ تدور بين الجواز والمنع، ونأتي إلى كتب الحديث أو علماء الحديث فنجد كل من بحث هذه المسألة يذكر الخلاف ويجبن أن يحكم جازماً ويقول: الأولى أن تؤدى الزكاة براءةً للذمة، وهذا أيضاً ما قاله والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه.
والعجيب أن ابن عبد البر في نهاية المطاف من بحث هذه المسألة يقول: والخلاصة: أن من أوجب الزكاة في الحلي المستعمل، وفي الإبل العوامل فقد صح قياسه، ومن أبطل الزكاة في الحلي المستعمل، وأبطلها في الإبل العوامل اضطرب قياسه، ومن أوجب الزكاة في الإبل العوامل، ومنع الزكاة في الحلي المستعمل فقد اضطرب قياسه، وهذا القول لـ مالك رحمه الله.
والمأثور عن مالك رحمه الله في زكاة بهيمة الأنعام أنه لا يشترط السوم، ولا يشترط أن تكون غير عوامل، مع أن الأئمة الثلاثة رحمهم الله على أن الإبل العوامل لا تزكى، وهو يقول: هي إبلٌ وله فيها زيادة نفعٍ وهو عملها.
فمثلاً: الإبل تستعمل للحرث، وتستعمل لنقل البضائع، وكانت تسمى الإبل: القطار، وإلى الستينات كانت السيارات نادرة، حتى (الجاز) يحمل في التنك من ينبع على ظهور الإبل، وكذلك الحبوب وكل البضائع، فيأتي قطار الإبل فيه حوالي خمسين أو ستين بعيراً مربوطة ومقطورة بعضها في بعض، فتدخل من باب العنبرية وتأتي إلى المناخة، ثم يأتي التجار فيأخذون بضاعتهم.
فهذه إبل عوامل، فهي عند مالك تزكى؛ وهنا ابن عبد البر لم يقل: مالك أو عمر، وإنما قال: (ومن أوجب الزكاة في الإبل العوامل، ومنعها في الحلي المستعمل فقد اضطرب قياسه) .
إذاً: هذا خلاصة ما يمكن أن يأتي به إنسان في عجالة مثل هذا الوقت، ويلقي الضوء على الخلاف الموجود، وجوانب الاستدلال لكلا الطرفين.
وفي النهاية نقول بما قال السلف رضوان الله تعالى عليهم: بأن الأحوط في ذلك إنما هو الزكاة.