مقدار زكاة ما يخرج من الأرض

قال المؤلف: [وعن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) ، رواه البخاري، ولـ أبي داود: (إذا كان بعلاً العشر، وفيما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر) ] .

هذا تفصيل لما تقدم، فقد عرفنا بأن ما تنبته الأرض وبلغ خمسة أوسق ففيه صدقة، وبصفة عامة: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) وكلمة (صدقة) تشمل صدقة التطوع والزكاة المفروضة وقد قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103] ، فسمى الفريضة التي يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة.

وعلى هذا: جاءنا التفصيل كم نأخذ مما سقت السماء، أو كم نأخذ مما تنبته الأرض؛ فبين لنا أن ما خفَّت كلفته زادت نسبة صدقته، وما كثرت كلفته نقصت نسبة صدقته، وهذا من الإرفاق، فما سقته السماء أو سقي بالعيون التي تفيض من الأرض وتمشي في السواقي فتسقي الأرض، فزكاته العشر.

فإذاً: النبات إما أن يسقى بدون كلفة بالمطر أو بماء من العيون يسيل، أو سيول تأتي وتسقي الأرض، وإما أن يتكلف لسقي الزرع مئونة بالنضح، والنواضح هي الإبل تنضح الماء فتسحبه من البئر أو الدولاب، وكذلك السواني، فكل ذلك بالآلة أو كما يقال: بالدولاب، والآن أصبحت هناك آلات حديثة (مكاين) ، والمكاين لها كلفة، حيث تحتاج إلى محروقات وقطع غيار.

إذاً: ما كان سقيه بدون كلفة بأن جاء المطر من السماء أو جاء الماء من العيون أو كان عثرياً، ولفظة (العثري) إلى الآن مستعملة، تسمعونها من باعة الحبحب الذين يقولون: حبحب عثري، والعثري: هو أحسن أنواع الحبحب؛ لأن الأصل فيه أن تكون التربة خصبة، فيأتي السيل أو النهر فيغمرها، ويمكث فيها مدة ثم ينحسر عنها، ويتسرب الماء إلى ثقوب بعيدة، فإلى وقت معين يأتون إلى تلك التربة المشبعة بالماء ويضعون فيها الحبوب سواء كانت ذرة أو من هذا الحبحب أو الخضروات؛ فهذا عثري.

وقد شاهدت الذرة العثرية في سامطة تحصد مرتين على مجيء السيل مرة واحدة، فيأتي السيل ويغمر الأرض -والأرض تكون خصبة جداً- ثم بعد ما يمضي عنها الماء وتحتمل مشي الأقدام، يضعون حب الذرة ويحصدونه أولاً، ثم ينبت من محله فيأتي بثمرة ثانية على ذاك العثري.

فالعثري: الأرض التي يغمرها الماء من نهر أو سيل أو نحو ذلك، ثم يفيض عنها وقد تشبعت بالماء، فيزرع الحب ولا تحتاج إلى سقي بعد ذلك حتى تحصد.

إذاً: هذا هو أيضاً مما سقته السماء أو العيون أي: بدون كلفة.

إذاً: ما تخرجه الأرض يشترط فيه أن يكون نصاباً ولا يشترط فيه الحول قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141] .

ولكن الحصة التي تؤخذ في الذهب والفضة وعروض التجارة متحدة، وهي ربع العشر، لكن هنا إما العشر كاملاً وإما نصف العشر بحسب كلفة السقي، أما مئونة الحرث والزرع فهذه أمر ضروري لا بد منه، ولا ينظر إلى الكلفة إلا بعد عملية الزرع بالذات، فإن كان عثرياً أو سقته السماء أو العيون أو السيول، ولم يتكلف صاحبه في سقيه شيئاً ففيه العشر من خمسة أوسق فما فوقها، وما دون الخمسة أوسق ليس فيها زكاة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015