قال المؤلف: [وعن علي: (أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك) رواه الترمذي والحاكم] .
هذه المسألة: أن العباس رضي الله تعالى عنه قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة العام الحالي ومعها زكاة العام الذي لم يأت، فيكون قد قدم زكاة عام قبل حلول وقتها.
وقد تقدم معنا كلام علي رضي الله تعالى عنه: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) ، فالعام الأول حال عليه الحول فنأخذها، لكن العام الثاني لم يدخل بعد، ولا حال الحول على المال، فكيف نأخذ زكاة سنتين؟ وهل يجوز تقديم الزكاة قبل كمال حولها، مع أن الحول شرط في وجوبها؟ فالبعض يمنع مطلقاً، ويقول: تمام وجوب الزكاة بتمام الحول، فتقديم الزكاة قبل الحول كتقديم الصلاة قبل وقتها، والصلاة قبل وقتها لا تصادف محلاً، فكذلك الزكاة قبل حولها لا تصادف محلاً.
والآخرون قالوا: هذا اجتهاد وقياس، ولا اجتهاد ولا قياس مع النص، فإن هذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن اختلفوا: هل العباس رضي الله تعالى عنه هو الذي تقدم وجاء لرسول الله بزكاة عامين في وقت واحد، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي طلب من العباس أن يقدم زكاة سنة لم تأت بعد، بأن يدفع زكاة سنتين في سنة حاضرة؟ الجمهور على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي طلب من العباس، وجاءت الرواية: (قد احتجنا فطلبنا -أو فاستسلفنا- من العباس زكاة عامين) .
وهنا يقول بعض العلماء: المتوسط في القول أنه إن وجدت حاجة عند الإمام للمال، وزكاة العام لا تكفي، فله أن يستسلف من أرباب الأموال زكاة سنة متأخرة؛ ليسد بها الحاجة الحاضرة، أما في غير وجود حاجة فليس هناك داع لتقديم زكاة لم يأت شرطها بعد.
وعلى هذا فخبر العباس رضي الله تعالى عنه بأنه قدم زكاة سنة متأخرة، لا شك فيه، ولكن البحث في: هل العباس تقدم به لرسول الله، أو أن رسول الله هو الذي استسلف وطلب من العباس، لحاجة حاضرة احتاج فيه زيادة مال؟ هذا هو الأولى والأصح.
بقينا هنا في مسألة يمكن أن يكون للاجتهاد فيها مجال، وهي مسألة واقعة بين الناس: وهي أنه إذا كان هناك شخص عنده زكاة النقدين، واعتبر الحول في رمضان، وكل سنة من رمضان يخرج زكاة ماله، فجاء في شعبان أو في رجب ووجد بعض إخوانه في مسيس الحاجة إلى المال، وهو لا يريد أن يعطي من رأس المال شيئاً، وهو عنده الزكاة، ويعلم بأنه عند مجيء الحول سيخرج عشرة آلاف ريال أو مائة ألف ريال، فقال: هؤلاء الإخوان أو الجيران أو الأرحام في أمس الحاجة إلى الريال، فهل ندعهم يموتون جوعاً حتى يأتي رمضان، أم أنه يقدم من زكاة ماله الذي يجب في رمضان للحاجة الموجودة التي أدركها في هؤلاء الناس؟ الجواب: يقدم من ماله ويعطيهم.
المهم أنه صلى الله عليه وسلم أخذ زكاة سنة مقدمة لحاجة، فماذا يمنعنا أن نقدم جزءاً من زكاة مالنا عن وقته من أجل حاجة حاصلة؟ وهؤلاء في تلك الحالة الاضطرارية لا شك أنهم أشد ما يكونون محتاجين لذلك، وهذا مال ينتظر أوانه، فبدلاً من أن تنتظر أوانه فقد جاءت حاجته، وأنت ما أعددته إلا للفقراء والمساكين تسد به حاجتهم، وهذه حاجة حاضرة، فإذاً: لا بأس في مثل ذلك.
ويقولون عن مالك: إنه كان يجيز تقديم زكاة المال عن حولها إلى نصف شهر.
وعندهم في زكاة الفطر أنها تخرج يوم العيد ما بين صلاة الفجر إلى صلاة العيد، وهناك من يقول: تقدم اليوم واليومين والثلاثة.
والشافعي يقول: إذا انتصف رمضان فلك أن تخرج زكاة الفطر، فأجاز تقديمها على أكثر من أوانها.
على كل المسألة اجتهادية، وأرى -والله تعالى أعلم- أنه يجوز له تقديمها عن موعد حولها لسد الحاجة الموجودة.
والله تعالى أعلم.