الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا ونبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فيقول المؤلف رحمه الله: [وعن لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) أخرجه الأربعة، وصححه ابن خزيمة] .
وقوله: [وعن لقيط بن صبرة] يقال: (صبُرة) بالضم، وقيل: (صبِرة) بالكسر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) هذا الحديث في جملته من أهم أحاديث الوضوء؛ لما فيه من الحث على إسباغ الوضوء، والإسباغ: التعميم، كما قال تعالى: {أَنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ:11] أي: دروعاً سابغات تغطي مواطن الخطر على الإنسان عند القتال، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن صلاة المرأة: (أتصلي المرأة في درع وخمار يا رسول الله؟ قال: نعم، إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور القدمين) وإسباغ الوضوء: هو تعميم العضو بالماء، حتى لا يبقى فيه جزء لم يمسه الماء.
وجاء في المقابل في غزوة تبوك أنه صلى الله عليه وسلم نظر إليهم وهم يتوضأون سراعاً، فرأى في عقب واحد منهم لمعة -أي: لم يصلها الماء-، فقال: (أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار) والأعقاب: جمع عقب، وهو مؤخر القدم.
فعرفنا أن الإسباغ هو التعميم، ومن هنا قالوا -كما تشدد في ذلك المالكية- تدليك الأعضاء شرط في الوضوء، وقال آخرون: إن التدليك ليس شرطاً، وإنما هو عامل تأكيد لوصول الماء إلى البشرة كلها، وجاءت السنة مبينة بأن يتوضأ الشخص ثلاثاً؛ فتثليث الغسل فيما عدا الرأس مظنة تعميم الماء على الأعضاء، أو تحقيق لإسباغ الوضوء.
فهذا الحديث نص صريح: (أسبغوا الوضوء) ، ومن هنا يقولون: من اطلع على لمعة في عضو من أعضاء الوضوء بعد أن صلى بهذا الوضوء عليه أن يعيد الصلاة؛ لأن وضوءه ناقص، والوضوء شرط في صحة الصلاة، ولهذا كانت أهمية هذا الحديث، وكان على الإنسان إذا أخذ يتوضأ أن يتمهل ويدلك، ويتأكد من وصول الماء إلى جميع أجزاء كل عضو من أعضاء الوضوء.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أسبغ الوضوء) في هذا استعمال اللغة المعنى المحسوس للمعنى المعنوي، فأصل الإسباغ للمحسوسات من الثوب والدرع ونحوه، فنقل إلى الوضوء؛ لأن الوضوء أمر حادث بعد إيجاد اللغة ووضعها.