وليس لمحمد ولا لآل محمد منها شيء) أي: حتى آل البيت ليس لهم من هذه الصدقات شيء.
ولكن في الوقت الحاضر يوجد أناس من آل البيت، وكان لهم في السابق سهم في الخمس، وكانوا يأخذون ما يكفيهم من خمس الغنائم من سهم الله ورسوله وذوي القربى، وكانوا يستغنون بذلك، فالآن لا خمس ولا سدس، فقد تعطل حقهم في المال.
فإذا وجد من آل البيت من يستحق الصدقة لو لم يكن من آل البيت؛ أنتركه يجوع لأنه من آل البيت، أم أننا نعطيه بصفة الفاقة والحاجة ويكون قد أخذ لا لأنه من آل البيت، بل لأنه فرد مسلم مستحق محتاج؟ والذي حرمها على آل البيت ما قاله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصدقة أوساخ الناس) ولا يليق بآل بيت رسول الله الذين يريد الله أن يطهرهم تطهيراً أن يتناولوا أوساخ الناس، ولكن ما دام الحق الأساسي قد تعطل عليهم، وأصبحوا بصفة الفقر أو الحاجة كغيرهم، فإذاً يعطون من الزكاة.
وقد وقع الخلاف في عامل الزكاة إذا كان من آل البيت: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:60] ؛ أيأخذ أجره من الزكاة؟ فبعض العلماء يقول: لا يكون العامل من آل البيت حتى لا يأخذ أجره من الزكاة التي هي أوساخ الناس.
وبعضهم يقول: هو يأخذ بعمله لا بكونه من آل البيت.
والآخرون قالوا: إذا احتيج إليه فإنه يعمل ويأخذ أجره من بيت مال المسلمين الذي يمون بالفيء والغنائم.
والذي يهمنا هنا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) ، وهذا كان معمولاً به في السابق كما في قصة بريرة مولاة عائشة رضي الله تعالى عنهما، حيث اشترتها وأعتقتها، فتصدق بلحم على بريرة؛ لأنها ليست من آل البيت، بل هي مولاة لهم، (مولى القوم من أنفسهم) .
فجاء صلى الله عليه وسلم وطلب الغداء، فقدم إليه الخبز والملح والخل، فتساءل عن سبب تقديم (الخبز والملح والخل وهو يرى البرمة تغط على النار؟ قالوا: إن ما فيها لا يصلح لك؛ لأنه لحم تصدق به على بريرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (هو عليها صدقة، ولنا منها هدية.
وأكل منه) .
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان يمشي ومعه الحسن فوجد تمرة في الأرض فالتقطها إلى فيه، فحالاً أدخل صلى الله عليه وسلم إصبعه في فيِّ الصبي وأخرجها وقال: كخ! كخ! ثم قال: لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لتركته يأكلها) ، فإلى هذا الحد كان يتحرز صلى الله عليه وسلم من أكل الصدقة؛ لأنها من أوساخ الناس، فهي لا تحل لمحمد ولا لآله، وأبناء فاطمة من آل محمد صلى الله عليه وسلم.
وهناك من يتكلم على هذه اللفظة (وشطر) فيقول: إن العقوبة بالمال لا تأتي، وإن الرواية (وشُطِرَ ماله) ، بمعنى: قسم ماله قسمين: قسم خيار المال، وقسم رديء المال، ويأتي المصدق ويتخير من خيار المال، يعني: هو كان يمتنع من تقديم الزكاة من وسط المال، فجاء عقوبة له أن تؤخذ من خيار ماله رغماً عنه، ولكن الجمهور على اللفظ الأول: (آخذوها وشطْر ماله) أي: ونصف ماله معها عقوبة له على منعه للزكاة.