وعن عثمان رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل) رواه أبو داود وصححه الحاكم.
في هذا الحديث يبين لنا المؤلف رحمه الله حقَّ الميت علينا من الاستغفار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك؛ لأن كلمة (كان) تدل على التكرار والكثرة، لم يقل: (وقف) بل قال: (كان) .
فإذا فرغ الناس من دفن الميت، وأهالوا عليه التراب، ولم يبق إلا أن ينصرفوا؛ وقف وقال للحاضرين: (استغفروا لأخيكم) .
وهذا من أدلة انتفاع الميت بعمل الحي؛ لأن استغفارهم هو طلب المغفرة من الله للميت، وليس للميت في ذلك عمل، ثم يقول صلى الله عليه وسلم، مع طلب المغفرة له (سلوا الله له التثبت) {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27] وهذه في الآخرة.
فهنا: (واسألوا الله له التثبيت، فإنه الآن يسأل) وهذا من أقوى أدلة وجود عذاب القبر ونعيمه، وسؤاله، وقد جاء تفصيل هذه المسألة في حديث، وأنه إذا انصرف الناس عن ميتهم أتاه ملكان، وذكر من صورتهما الشيء الكثير، يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير، فيجلسانه فيسألانه: من ربك؟ ما دينك؟ من هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فالمؤمن يلهمه الله سبحانه وتعالى الجواب، فلا يفزع منهم، ويجيب على ما كان عليه، فإذا قالوا: من ربك؟ يقول: ربي الله رب السماوات والأرض، ما دينك؟ يقول: ديني الإسلام، ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هذا محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان: نم نومة العروس، ويرى منزله من الجنة ومن رياضها، ونعيمها، ويفسح له في قبره، ثم يفتح له بابٌ أو نافذة على النار، ويقال له: كان هذا مصيرك، لو لم تكن مؤمناً.
أما غير المؤمن -نسأل الله السلامة والعافية- فإذا سئل من ربك؟ يقول: هاه هاه لا أدري! فيقول الملكان: لا دريت ولا تليت.
ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! يقولان: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب ويعذب، نسأل الله السلامة والعافية، ونسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وهذا الحديث يستدل به بعض العلماء على ما ينبغي أن يقال ويذكَّر به الميت، وبعضهم يذكر صيغاً لذلك كما ذكرها النووي في المجموع وذكرها ابن قدامة في المغني، وذكرها غيرهما، منها: يا عبد الله، فإنه يسمع: يا فلان بن فلان فإنه يجلس، أو إلى الثالثة يجلس، فيقول له: تذكر ما فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وعلى دين الإسلام، وملة محمد صلى الله عليه وسلم.
إلخ، ويذكرون ألفاظاً يذكرون بها الميت، وجواب الملكين، حينما يسألانه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن موضوع السؤال: من ربك؟ ما دينك؟ ما نبيك؟ فهذه الثلاثة الأصول التي يسأل عنها الإنسان أول ما يسأل في قبره.
والله تعالى أعلم.