قال: (ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا) .
هنا مسألتان: الأولى تتمة لهذا الحديث عند غير البخاري، أو غير المتفق عليه، وبنظرة إلى سرد أعمال الوضوء في هذا الحديث يقال: هل يتعين على الإنسان أن يأتي بوضوئه كما فعل عثمان، فلا يقدم ولا يؤخر، أم له أن يقدم ويؤخر، ويغسل يديه، ثم وجهه، أو يغسل وجهه ثم يتمضمض، أو يغسل قدميه ثم يمسح رأسه، فهل الترتيب واجب في الوضوء أم غير واجب؟ إن الآية جاءت فيها الواو، والواو لا تقتضي الترتيب، والحديث جاء فيه (ثم) ، وهي على الأفضلية، وحديث (ابدءوا بما بدأ الله به) على الندب والاستحباب، وذلك لما قالوا: من أين نبدأ بالسعي؟ قال: (ابدأوا بما بدأ الله به) .
وانظر إلى فقه الأئمة وما فتح الله به عليهم، فـ الشافعي رحمه الله قال: ترتيب أعضاء الوضوء واجب في كتاب الله بدلالة الإيماء والتنبيه، وليس بدلالة النص الصريح.
قال: أول ما يفعل من الوضوء غسل الوجه، فلتكريمه ولمواجهته ولشرفه كان موضع البداية، وفيه سلاطين الحواس السمع والبصر والفم وغيره فقدم، ثم بعد الوجه غسل اليدين، ثم بعد اليدين مسح الرأس، فهل الأقرب والمشابه والمجانس لليدين الرجلان أم الرأس؟ والجواب: الرجلان، فاليدان يبطش بهما، والرجلان يسعى بهما.
فيقول: لو أن الترتيب غير واجب لأتبع المجانس بمجانسه، فيكون غسل اليدين أولاً، ثم الرجلين، ثم مسح الرأس، فلما جاء بممسوح بين مغسولين -وهذا حكم مغاير-، وأدخل أجنبياً بين متجانسين عرفنا أن موضع الرأس هنا لا يجوز تقديمه ولا تأخيره، وكذلك بقية أعضاء الوضوء، فانظر كيف أتى بها!! فهل نستقل بعقولنا أم نرجع إلى عقول العلماء؟! وجاء في رواية تتمة للحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء غفر له ما تقدم من ذنبه) ، فترتب على هذا الوضوء الكامل الإسباغ الوافي أنه إذا صلى ركعتين ليستا من الفرائض ولا من النوافل الراتبة، وكان فيهما حاضر القلب وليس مشغولاً بشيء غفر له ما تقدم من ذنبه.
ويقول ابن دقيق العيد أو غيره: ولو خطر على قلبه خاطر فدفعه فهو داخل في هذا المعنى، فالمهم أنه لا يسترسل مع تلك الخواطر.
وبالله تعالى التوفيق.