وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تغالوا في الكفن؛ فإنه يسلب سريعاً) رواه أبو داود.
تقدم الكلام على هذا الأثر عن علي رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الغلو في الكفن؛ لأنه يسلب سريعاً، فلا حاجة إلى المغالاة فيه.
والمغالاة هنا إما بزيادة عدد اللفائف والأثواب بدل ثلاثة سبعة أو تسعة، وإما في نوعية الأثواب.
الرسول صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب من الكرسف سحولية، فإذا كفن الميت في لفائف من الخز -الحرير- أو الصوف أو الأقمشة الثمينة النفيسة في الثمن فهذا من المغالاة!! الغلو يصدق بنوعية الثوب أو بعدد الأثواب، وهذا كله منهي عنه كما تقدم، وعلينا الاكتفاء -بالاقتداء- بما كفن به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسبنا ما اختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام.
والله أعلم.
والمغالاة في الكفن ليست من السنة، وقد بين صلى الله عليه وسلم سبب ذلك بقوله: (فإنه يسلب سريعاً) أي: تأكله الأرض ويذهب، وجاء عن الصديق رضي الله عنه أنه قال في مرضه الأخير، وكان عليه ثوب فيه زعفران: (اغسلوه وكفنوني فيه مع ثوبين آخرين) فقالوا: كيف نكفنك في هذا وهو قديم وكذا، وجاءوا بجديد؟ فقال: (الحي أولى بهذا، إنما هو للمهلة) أي: هذا جديد تعطوني إياه لماذا؟ أنا ذاهب، وكلمة: (المهلة) قالوا: من الإمهال، يعني: مهلة بسيطة، أي: ليس هناك حاجة أن يكون الكفن جديداً ويضيع عليكم، أو (المهلة) أي: ما يسيل من جسم الإنسان، ويتلف الثوب الجديد ويبليه، ولكن نحن نعلم جميعاً بأن أبا بكر رضي الله عنه وأمثاله لن تأكل الأرض أجسادهم.
فهذا من الصديق رضي الله عنه، ويكفينا قوله: (الحي أولى بهذا) وكونه قال: اغسلوا هذا الثوب وكفنوني فيه فهو على ما تقدم من أنه كان يشهد الخير فيه: كالصلاة، وذكر الله، ومن جانب آخر عدم المغالاة في الكفن، والله تعالى أعلم.