جميع ما تقدم في طريقة تغسيل الميت وتكفينه هي في الحالات العادية، لكن هناك حالات تطرأ في المجتمع يكثر فيها الموتى، سواء كان في حالات الحروب والكوارث، أو في حالات الأمراض السارية -كما يسمونها- كالطاعون، أو الكوليرا وأنواعها، فقد يبلغ عدد الموتى في القرية في اليوم الواحد عشرة أو خمسة عشر، وكذلك في المعارك والكوارث الأخرى، ماذا يفعلون مع كثرة الموتى في حفر القبور؟ أعتقد أن بعض الإخوة يذكر ما حصل في حدث الطائرة، والتي كان فيها عدد كبير من الناس، فعندما سقطت ماذا فعلوا؟ لم يحفروا لكل واحد قبراً.
الذي يهمنا هنا أن في حالات كثرة الموتى، ومشقة حفر قبرٍ لكل فرد يجمع الاثنين والثلاثة والأكثر والأقل في القبر الواحد.
والآن البقيع موجود فيه غرفتان تسمى في عرف الناس: الفسقية أو الفساقي، وهي غرفة تحت الأرض بعمق القبر، وهي تسع عشرة أشخاص أو خمسة عشر شخصاً متراصين متجاورين، وهذه توجد في بعض البلاد في الأرياف للعوائل الكبيرة، ويكون لكل عائلة فسقيتين: واحدة للرجال وأخرى للنساء، ولهم مدة معينة تفتح الفسقية فيها لا تفتح قبل ذلك، وهم لم يجعلوها للموت الجماعي، وإنما يجعلونها لجمع موتاهم في مكانٍ واحد، ولا مانع في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما صلى على عثمان بن مظعون ودفنه، ووضع الحجر عنده، قال (لأعرفه، لأجمع إليه من أهله) فلا مانع أن يكون للجماعة أو للأسرة مكانٌ يجمع فيه موتاهم، حتى إذا أتوا للزيارة والسلام يكونون في مكان مجموعين فيه.
ففي هذه الحالة لو أتي بعدد من الموتى ووضعوا في تلك الفسقية أو الغرفة تحت الأرض لا مانع.
فإذا لم تكن هذه موجودة وليست معدة من قبل كما هو الحال في غزوة أحد، إذ لا يمكن أن يحفروا سبعين قبراً في وقت وهم على حالتهم -مصابون وجرحى.
إلخ- فكانوا يجمعون الاثنين والثلاثة والأكثر في قبرٍ واحد.
ففي مثل هذه الحالة كيف يكون ترتيب الدفن؟ أولاً: اتفقوا على أنه يجمع الرجال مع الرجال، والنساء مع النساء، والصبية الصغار دون السابعة حيثما دفنوا، وبعد السابعة يأخذ حكم الجنس ذكراً أو أنثى، وبعضهم يقول: لو اقتضت الضرورة وكانت الكارثة كبيرة وفيها رجال ونساء، ولم يمكن أن نميز النساء معاً والرجال معاً! لا بأس أن نجمع الرجال والنساء بحيث تكون النساء وراء الرجال، ويوضع بين النساء والرجال حاجز.
ولكن الجمهور على المنع، ونحن قدمنا بأن حالة الضرورة لها حكمها، ولا يقاس عليها غيرها، فإذا جاء الأمر واضطر الناس على أن يجمعوا العدد من الموتى في قبر واحد للعجز، أو للمشقة، أو لعدم الإمكان بأن يجعل لكل ميت قبر مستقل، فلا مانع.
وعند الوضع في القبر يسأل صلى الله عليه وسلم (أيهم كان أكثر أخذاً للقرآن؟) لم يقل: أيهم أغنى مالاً، أو أيهم أعلى جاهاً، أو أعظم وأفخم نسباً وحسباً؛ كل هذا قد التغى بالموت، انتهى الأمر، وأصبح الشخص بنفسه، فمن يكون أكثر أخذاً للقرآن قُدم إلى جهة القبلة، ثم الذي يليه ثم الذي يليه وهكذا.
وهذا يكون في حالة الضرورة ومشقة أن يحفر قبر لكل إنسان فإنه لا مانع أن يجمع العدد منهم في القبر الواحد.