عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت) رواه الترمذي والنسائي، وصححه ابن حبان.
بدأ المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الحديث تنبيهاً للحي، كي يتعظ بالموت (أكثروا ذكر هاذم اللذات) وهاذم اللذات كما تبين هو الموت؛ لأن كل إنسان مهما كانت حياته منعمة إذا كان في القمة في العالم كله أغنى أغنياء العالم أقوى أقوياء العالم أسعد سعداء العالم، حينما يتذكر الموت فإنه تنهزم أمامه كل لذة، ولو ذكر العريس ليلة عرسه الموت لما دخل على عروسه.
فذكر هاذم اللذات الذي هو الموت هو أكبر واعظ، وأكبر زاجر، وأكبر دافع لفعل الخير.
وبعض العلماء يفتتح هذا الباب بغير هذا الحديث، ولكن المؤلف من فقهه افتتح كتاب الجنائز بهذا الباب.
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بزيارة القبور أنه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها؛ فإنها تزهد في الدنيا وتذكر بالآخرة) وجاء في بعض الروايات: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات؛ فإنه ما ذُكر في قليل إلا كثره، ولا ذُكر في كثير إلا قلله) بمعنى: إنسان يعيش عيشة كفاف، ولديه القليل القليل من متاع الدنيا، فإذا ما تذكر الموت رأى أن الذي عنده كثير؛ لأنه لا يدري متى يأتيه الموت، وإذا كانت عنده كنوز قارون، وتذكر الموت؛ صارت قليلة في نظره، ماذا يفعل بها؟! لا تنفعه في شيء، وليس هناك أنفع للإنسان من دوام ذكر الموت، يهوّن عليه مصائب الدنيا وشدائدها.
وكنت دائماً أسمع من والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه يزهد في الدنيا، ويبسط أمرها في قوله: الجوع يطرد بالرغيف اليابس فعلام تكثر حسرتي ووساوسي كأن الدنيا ما لها قيمة.
وكذلك الإنسان فيما أعطاه الله، إن كان مريضاً مبتلىً متألماً وذكر الموت هان عليه المرض والألم، وإن كان متعافياً وينظر إلى نفسه في حالته، فذكر الموت قامن من رأسه وقامن من تطاوله.
وهكذا أيها الإخوة: المؤمن لابد أن يؤمن بما وراء الموت، فإن الدنيا مزرعة حصادها في الآخرة، والإنسان ما بين أمرين: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بشر خاب مسكنه وإن بناها بخير طاب بانيها وكما قال بعض الناس في الزهد وفي الترهيب: إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا