قال المؤلف رحمه الله: [وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ما هبت الريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال: اللهم! اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً) رواه الشافعي والطبراني] .
هذه الرواية يسوقها المؤلف مقدمة للحالات الكونية العامة، فكسوف الشمس والقمر آية كونية، وتقدم لنا كيف نعمل، ولكن إذا وقعت آية أخرى مثل ريح عاصف شديدة أو زلزال أو شيء آخر من النوازل الكونية الشديدة، فماذا يكون الحال؟ بين لنا ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما هبت الريح جثا على ركبتيه، وهي صورة تذلل وخضوع واستكانة والتجاء واعتراف بالضعف والافتقار إلى من جثا إليه، وجاء نظير ذلك حينما قام صلى الله عليه وسلم وخطب الناس في أمر ما، فقام رجل وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالاً خاصاً به، فغضب صلى الله عليه وسلم، والسؤال هو أن الرجل قال: (من أبي؟ قال: أبوك فلان ونسبه إلى أبيه، وقام آخر وقال: من أبي؟ قال: أبوك فلان، ونسبه إلى غير أبيه، وظهر الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان من عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلا أن قام وجثا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: نستغفر الله ونتوب إليه يا رسول الله! آمنا بالله وبأنك نبينا، وجعل يقول مثل هذا بين يدي رسول الله حتى سري عن رسول الله) .
فهذه الحالة إنما تعطي صورة اللجوء والاستكانة والضعف وإظهار الذلة، وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله تعالى عنه بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] ، فكان إذا رأى الريح الشديدة خاف؛ لأن أمماً كثيرة قد أُهلكت بالريح، فخاف أن تكون عذاباً، فجثا على ركبتيه وسأل الله أن تكون رحمة لا أن تكون عذاباً، وهكذا ينبغي للأمة عند هبوب الريح الشديدة المخيفة أن يتضرعوا إلى الله بأن يجعلها الله ريح رحمة لا ريح عذاب.
قال المؤلف رحمه الله: [وعنه رضي الله تعالى عنه: (أنه صلى في زلزلة ست ركعات وأربع سجدات، وقال: هكذا صلاة الآيات) رواه البيهقي] .
جاء أن الرياح لا يصلى لها، والزلزال يصلى له، فإذا وقع الزلزال صلى الناس حتى لا يتواصل أو يزيد، وذكر لنا هنا ستة ركوعات في ركعتين، وهذا العدد أيضاً مختلف فيه، وهذه الرواية رواها البيهقي، فهي خارجة عن الكتب الستة وهي: - البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، هذه الكتب الستة هي المعتبرة بالدرجة الأولى عند علماء الحديث، وما جاء بعد ذلك فهو دونها في الرتبة، فقد يأتي بالصحيح وقد يأتي بما دونه.
فمن قال بالصلاة في الزلزال قال: إن صورتها كصورة صلاة الكسوف، وبعضهم يقول: لا مانع إذا زاد في عدد الركوعات في الزلزال.
فالحوادث الكونية يجب على العالَم كله أن يرجع إلى الله فيها؛ لأنه لا طاقة له بها، سواءٌ في الزلزال أم في غيره من الحوادث الكونية، فإنه لا قدرة له بها، فهذه مسائل تدل على القدرة الإلهية، وليس للخلق فيها طاقة إلا بالرجوع إليه سبحانه وتعالى، والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.