قال رحمه الله تعالى: [وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، فقام قياماً طويلاً) ] .
الذي عليه الجمهور أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الكسوف مرة واحدة، فكيف اختلف الروايات في عدد الركوعات؟ فـ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يبين لنا التفصيل في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الكسوف، قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم -وبعضهم يذكر يوم موت إبراهيم، وبعضهم قد يترك هذا التاريخ- فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة) .
والسلف رضوان الله عليهم كانوا يقدرون الزمن بالقراءة، أي: بقدر ما يمكن أن يقرأ الإنسان في ذلك التوقيت، كما جاء في حديث أنس رضي الله تعالى عنه في الصيام حين سأله سائل: كم كان بين سحوركم والصلاة؟ قال: (قدر خمسين آية) ، فالتقدير للزمن بمقدار القراءة أمر تقريبي؛ لأن هناك من يسرع في القراءة، وهناك من يبطئ، والكل يعرف مقدار قراءة سورة البقرة أو آل عمران فـ ابن عباس وصف لنا طول قيامه صلى الله عليه وسلم من أول ما دخل في الصلاة.
ولنعلم أن الفاتحة تُقرأ قبل البقرة؛ لأن الفاتحة في كل ركعة، ولكن هل يعيدها المصلي عندما يرفع من الركوع الأول للركوع الثاني حينما يجدد القراءة؟ قالوا: لا؛ لأنها ركعة واحدة فتكفي فيها الفاتحة مرة واحدة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قام طويلاً بقدر ما تقرأ سورة البقرة مع الفاتحة، وبعضهم قال: يأتي أيضاً بدعاء الاستفتاح.
وابن عباس لم يحدد ما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فقال الذين قالوا بالجهر: ابن عباس لم يسمع القراءة؛ لأنه كان بعيداً.
والذين قالوا بالسرية قالوا: ابن عباس كان بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع ماذا قرأ؛ لأنه لم يجهر وسيأتي هذا في مبحث الجهر والإسرار.
قال: (ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول) .
هنا لم يحدد لنا مقدار الركوع، لكنه أيضاً ركوع طويل، وقوله: (ثم رفع) أي: رفع بعد الركوع الأول، ثم قام قياماً طويلاً لكنه دون الركوع الأول، وبعضهم ينص ويقول: بقدر قراءة سورة آل عمران؛ لأنها تنقص عن البقرة قليلاً، فهناك من حدد القيام الثاني، وهم مجمعون على أن كل قيام هو أقل من الذي قبله، سواءٌ أكان في الركوع الثاني، أم الثالث، أم الرابع عند من يقول بتعدد الركوع.
قال (ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول) .
أولاً ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام قياماً أقل من الأول، ثم ركع ركوعاً ثانياً وهو أقل من الركوع الأول، ثم سجد في حديث ابن عباس، فركع ركوعين ثم سجد، ولم يفصل لنا ابن عباس طول السجود من عدمه، وغيره يقول: سجد سجوداً طويلاً، ففي قوله: (وسجد) عندنا سجدتان وجلسة بين السجدتين، ومقدار هاتين السجدتين والجلسة لم يذكره ابن عباس، وغير ابن عباس ذكره وقال: (سجد سجوداً طويلاً، ثم جلس -أي بين السجدتين- ولم يطل، ثم سجد السجدة الثانية وهي دون السجدة الأولى، ثم قام) أي: إلى الركعة الثانية.
قال: (ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول) .
أي: قام إلى الركعة الثانية، وقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، والأول بالنسبة لهذه الركعة الثانية هل يكون هو الثاني بعد الركوع الأول، أو هو القيام الأول الذي هو أول قيام في الصلاة والذي هو بقدر البقرة؟ الاحتمال موجود، وقد قيل بالقولين، ولكن نظراً لأن الصلاة تأخذ بالتناقص تدريجياً نحمل هذا القيام على القيام الذي هو دون البقرة.
فنقول: في الركعة الأولى قرأ -مثلاً- بمائتي آية، وفي القيام الثاني من الركعة الأولى قرأ بمائة وخمسين، فلما قام إلى الركعة الثانية قرأ في قيامه الأول من الركعة الثانية بمقدار مائة آية، أي: أن كل قيام يكون أقل من الذي قبله.
قال المؤلف رحمه الله: [ (ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول) ] .
دون الركوع الأول الذي يعتبر الركوع الثاني بالنسبة للركعة الأولى، أي: أنه تدرج في تنقيص الزمن في كل من القيام ومن الركوع، أي: كل ركن أقل من الذي قبله.
قال (ثم رفع، فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول) .
أي: دون القيام الأول في الركعة الثانية.
قال (ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول) .
أي: دون الركوع الأول في الركعة الثانية.
قال: (ثم رفع رأسه ثم سجد) .
أي: ثم سجد بعد الركوعين اللذين في الركعة الثانية.
قال: (ثم انصرف وقد انجلت الشمس) .
قبل الانصراف كان هناك السجود والجلسة بين السجدتين، وكذلك التشهد، والمعنى: ثم انصرف بعد أن أتم الصلاة وقد انجلت الشمس.
و (انجلت) معناه: ظهر نورها؛ لأن الكسوف تغير اللون إلى سواد، والخسوف -كما يقولون- هو النقصان، فقوله: (انجلت) أي: انجلى ما عليها من غشاء، أو ما عليها من ظلمة، وصارت ناصعة نقية كالمعتاد.