إلا الأخير -الذي هو العزم- ففيه الأخذ قد وقعا، يجاب عن هذا بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، فإذا كان هذا الفعل الذي هو التحريق على المتخلف عن الصلاة بالنار يجوز للنبي -عليه الصلاة والسلام- فعله مع أنه أكده بالقسم ((والذي نفسي بيده لقد هممت)) فدل على أن ترك الجماعة حرام، إذ لا يتوعد بمثل هذا الوعيد إلا على شيء محرم ((لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب, ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها, ثم آمر رجلاً فيؤم الناس, ثم أخالف إلى رجال)) آمر بحطب فيحتطب من أجل أن يحرق على المتخلفين عن الصلاة جماعة بالنار ((ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس)) قد يقول قائل -وقد قيل-: كيف يهم بالتحريق -تحريق البيوت على أصحابها- بسبب التخلف عن صلاة الجماعة ويتخلف -عليه الصلاة والسلام- لأنه سوف يأمر رجل يؤم الناس؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- سوف ينطلق إلى هؤلاء ومعه رجال وحينئذٍ تقوم الصلاة بهم، صلاة الجماعة، ((ثم آمر رجل فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال)) يعني أذهب إلى رجال على غرة منهم، وقد انشغلوا بلهوهم وغفلتهم عن الصلاة، ((أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة)) الذين يقولون بأن صلاة الجماعة ليست بواجبة على الأعيان هذا الحديث من أقوى ما يرد به عليهم؛ لأن صلاة الجماعة إذا كانت واجبة على الكفاية سقط الوجوب بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن معه في مسجده فكيف يبحث عن مثل هؤلاء وقد سقط عنهم الواجب؟ لأن الواجب على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم على الباقين، صار في حقهم سنة، فكيف يخالف إلى هؤلاء وقد قامت الجماعة به -عليه الصلاة والسلام- في مسجده -صلى الله عليه وسلم-؟ ((ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) يقول بعضهم: لو كانت صلاة الجماعة واجبة والتهديد هذا على وجهه وحقيقته ما تركه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلما تركه عرفنا أنه عدل عن هذا التهديد فدل على عدم وجوب صلاة الجماعة، نقول: إنما ترك التحريق معللاً ذلك بقوله: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية)) لحرق عليهم بيوتهم، أناس لا ذنب لهم، أرواح لا ذنب لها، ويكفي في وجوب الجماعة أقل من مثل هذا