يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الوتر حق على كل مسلم)) " حق يعني متأكد، فهو من آكد النوافل، وإن لم يكن واجباً، حق يعني متأكد، كما تقول لفلان من الناس: لك علي حق، يعني متأكد، ولا يلزم من هذا أن يكون واجباً، ولهذا جمهور أهل العلم على أن الوتر ليس بواجب، والأدلة على ذلك كثيرة يأتي بعضها ((هل علي غيرها؟ )) لما ذكر الصلوات الخمس قال: ((لا، إلا أن تطوع)) فدل على أن الوتر ليس بواجب، وأوجبه أبو حنيفة -رحمه الله- استدلالاً بمثل هذا الحديث، وحمل الحق على الواجب الذي يجب أداؤه، وهنا عامة أهل العلم على أن الحق المتأكد وإن لم يكن واجباً.
((الوتر حقٌ على كل مسلم)) سواءً كان ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً إذا بلغ حد التكليف ((من أحب أن يوتر بخمس فليفعل)) خمس ركعات، وظاهره أنها بسلام، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أوتر بخمس بسلامٍ واحد ولا يجلس بينها ((ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)) وكون الإنسان يحال إلى مشيئته ومحبته وإرادته يدل على أن هذا الأمر ليس بواجب، كونه من أحب أن يفعل فليفعل ((من أحب أن يوتر بواحدة)) وهذا أقل ما يتصور فيه الوتر، وأدنى الكمال الثلاث، وأكثره إحدى عشرة كما سيأتي.
أوتر النبي -عليه الصلاة والسلام- بـ ... ، صلى إحدى عشرة كما سيأتي في حديث عائشة، وثلاث عشرة، وأوتر بتسع يجلس في الثامنة ويسلم على التاسعة، وأوتر بسبع بسلامٍ واحد، وأوتر بخمس وأوتر بثلاث، وجاء النهي عن تشبيه الوتر بالمغرب، التسع يجلس بعد الثامنة يتشهد ثم يقوم إلى التاسعة يتشهد بعدها ثم يسلم، وأما الثلاث فجاء النهي عن تشبيهها بالمغرب، بمعنى أنه لا يجلس بعد الثانية، ثم يأتي بالثالثة ويسلم لا، يسردها سرداً، أو يفصل بينها بسلام لا بأس.
((من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)) لم يثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه أوتر بواحدة، نعم ثبت من فعل معاوية -رضي الله عنه-، وصوبه ابن عباس، ودل عليه هذا الحديث إن صح رفعه، وإلا "رجح النسائي وقفه" على أبي أيوب -رضي الله عنه-.