نعم، حديث "مالك بن الحويرث" من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) أصلٌ عظيم، وقاعدة كلية من القواعد التي تدور عليها مسائل الصلاة ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ففعله -عليه الصلاة والسلام- الذي داوم عليه بياناً لما أوجبه الله على هذه الأمة من الصلوات، ما داوم -عليه الصلاة والسلام- أخذاً بعموم هذا الحديث يدل على الوجوب، وما تركه -عليه الصلاة والسلام- أحياناً وفعله أحياناً يدل على الاستحباب، فداوم النبي -عليه الصلاة والسلام- على القيام، وعلى القراءة، وعلى الركوع، وعلى السجود، وعلى الجلوس، وعلى التشهد، وعلى السلام، وغير ذلك من الأركان والواجبات، فعل السنن غالباً وتركها أحيانً لبيان الجواز، فكان مما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- من رواية مالك بن الحويرث أيضاً ما سماه الفقهاء جلسة الاستراحة، وهي بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى، والثانية من الركعة الثالثة، ففي الصحيح من حديث مالك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعتمد قائماً حتى يجلس، حتى يستوي قاعداً، اصطلح أهل العلم على أن يسموا هذه الجلسة جلسة استراحة، تقدم ذكرها والإشارة إليها، فهل هي مما داوم عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو فعله أحياناً فيكون من باب المستحب؟ هل داوم عليها فتكون من الواجبات؟ أو فعلها أحياناً لتكون من المستحبات؟ أو فعلها عند الحاجة إليها لتكون منزلة منزلتها في الحاجة إليها؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يداوم عليها، بدليل أن أكثر من نقل صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يذكرها، ونقلها مالك بن الحويرث فدل على أنه فعلها على جهة الاستحباب، والترك إنما هو لبيان الجواز، ثبتت من حديث مالك بن الحويرث هذا مثال، وجاءت في بعض طرق حديث المسيء، وفي بعض طرق حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فدل على أن فعلها سنة، وكونها تفعل عند الحاجة -أنا أقول العكس- كونها تترك عند الحاجة؛ لأنها زيادة عبء، ليست استراحة، فكون النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعلها في آخر عمره مع حاجته إلى الراحة وليس فيها راحة؛ لأنها ليست بجلسة طويلة بحيث يطمئن الإنسان ويرتاح، فالإنسان إذا قام من سجوده