فالمقصود أنه كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة، "بهن" يعني بهذه الأمور التي ذكر ((اللهم إني أعوذ بك من البخل)) البخل: وهو منع ما يجب دفعه ((وأعوذ بك من الجبن)) وهو المهابة للأشياء، والتأخر عنها لا سيما إذا كانت هذه المهابة تعوق عن أمرٍ واجب من جهاد مثلاً، من أمر بمعروف ونهي عن منكر، من تعليم، لا بد أن يستعاذ منه هذا جبن، وبعض الناس يسميه حياء وهو في الحقيقة ليس بحياء؛ لأن الحياء خيرٌ كله ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) فكيف يعوقك هذا الحياء على حد زعمك من الجهاد في سبيل الله، كيف يعوقك هذا الحياء من إنكار المنكر الذي يجب تغييره، كيف يحول بينك هذا الحياء وبين ما يستحب فعله مما ندب الشرع إليه، هذا في الحقيقة ليس بحياء، بل هو جبن وذل ومهانة.
((وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر)) كي لا أعلم بعد علم شيئاً، يعني من سبر حال هؤلاء الذين اختلطوا، وردوا إلى أرذل العمر هم يشتركون مع الأطفال في التصرفات التي لا يقبلها العقل، لكنها مقبولة من الطفل وليست مقبولة من كبير؛ لأن الطفل يرجى أن يكبر ويتصرف تصرفاً حميداً، لكن الكبير كيف يرجى؟! والرد إلى أرذل العمر الموت خيرٌ من أرذل العمر، كون الإنسان يرد إلى أن يصل إلى حد لا يعرف نفسه، لا يعرف أولاده، لا يعرف كيف يتعامل مع الناس؟ لا يعرف كيف يتصرف؟ بل يتصرف تصرفات يُستحى من ذكرها، هذا يستعاذ منه لأنه شر، نسأل الله العافية، يعني ختام الحياة بهذا نعم هو موجود وشيء يكتبه الله ويقدره على الإنسان، لكنه ليس بشيء مما يطلبه الناس، بل ينبغي أن يستعاذ منه، وإن كان ظاهره أنه طول في الحياة، الحياة ما قيمتها، يعني لو تصور أن إنسان يموت في الستين أو في السبعين قبل أن يصل إلى هذا الحد، أو إذا وصل هذا الحد وصل إلى أرذل العمر واستمرت به الحياة عشرين سنة ما فائدته من هذه العشرين؟ هل يستفيد منها؟ ما يستفيد منها، ولذا جاء الاستعاذة من أن يرد الإنسان إلى أرذل العمر.
نعم ((خيركم من طال عمره)) لكن بالقيد: ((وحسن عمله)) ولا يتصور أو يتوقع ممن رد إلى أرذل العمر أنه يحسن عمله، ولذا جاء أنه كان يتعوذ بالله -جل وعلا- من أن يرد إلى أرذل العمر.