نعم مضى الصلاة بحضرة الطعام إذا حضر العشاء وقت الصلاة، وقت صلاة المغرب المنصوص عليها، فابدءوا بالعشاء؛ لأن النفس تكون تائقة إليه، فينشغل به المصلي عن صلاته، وهنا في مدافعة الأخبثين: ((لا صلاة)) لا هذه نافية ((لا صلاة بحضرة طعام)) والمنفي هنا الصلاة الشرعية، قد توجد صورتها، لكن حقيقتها الشرعية منفية كما في حديث المسيء: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) يعني لو قال قائل: إنه صلى، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لم تصلِ)) فلو قال قائل: صلى مريداً بذلك الحركات، صورة الصلاة الظاهرة صلى، لكن الصلاة الشرعية التي تبرأ بها الذمة ما صلى، المسقطة للطلب، وهل نقول هنا مثل ما قيل هناك: إن صلاة المسيء باعتبارها باطلة ساغ نفيها؟ ساغ نفيها باعتبارها غير مجزئة، فهل نقول هنا: إن الصلاة بحضرة الطعام ومدافعة الأخبثين باطلة؟ فيتجه النفي إلى الحقيقة الشرعية؟ وإن كانت الصورة موجودة، أهل العلم يقولون في مثل هذه الصورة: يطلقون الكراهة، يطلقون الكراهة، فلو صلى بحضرة الطعام أو مع مدافعة الأخبثين صلاته صحيحة لكنها ناقصة الأجر والثواب بقدر ما يشغله الانشغال بالطعام أو بالمدافعة من إقبال على ربه ومناجاة له، وما نقصه من خشوع في صلاته، هذا فيما يمكن رفعه مما يشغل عن الخشوع، فماذا عما لا يمكن دفعه؟ كحر شديد أو برد شديد، أو جوع مع عدم وجود طعام؟ الانشغال موجود، تقدم حديث: ((إذا اشتد الحر فأبردوا فإن شدة الحر من فيح جهنم)) هذا في المقدور عليه وفي حدود الوقت، لكن قد يوجد ما يشغل الإنسان مما لا يستطيع دفعه، والناس يتفاوتون في هذا تفاوت كبير، بعضهم لا يطيق الحر ولا بالليل بعد غروب الشمس، لا يطيق، فهل يقال مثل هذا: انتظر حتى يذهب عنك هذا الأمر الذي يذهب الخشوع؟ نقول: صلِ على حالك، احرص على الخشوع واحرص على استحضار وحضور القلب، لكن ما لا تستطيعه لا تكلف به.
والمراد بالأخبثين البول والغائط، ويلحق بهما ما يشبههما من ريح.