وهذا بخلاف النصارى، الأمة المحمدية وسط في هذا الباب بين الأمم بين اليهود والنصارى، فاليهود عندهم آصار وأغلال وتشديد في النجاسات، والنصارى عندهم ملابسة للنجاسة، والأمة المحمدية وسط بين هاتين الأمتين، فاليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، بل لم يساكنها في البيت، ولم يضاجعوها، ولم يجالسوها، العزلة التامة؛ لأنها متلبسة بنجاسة، فديننا الوسط، منعنا من النكاح وأباح لنا ما عدا ذلك، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقرأ القرآن ورأسه في حجر عائشة وهي حائض، ويخرج رأسه من المسجد فترجله عائشة وهو معتكف، المقصود أن ديننا وسط، وهي وإن كانت متلبسة بنجاسة إلا أن النجاسة هذه دونها حوائل، فلا يمنع من مضاجعتها والنوم معها في لحاف واحد، وصنع كل شيء إلا النكاح، لكن ما الذي يباح من معاشرة المرأة المعاشرة الخاصة إذا استثنينا النكاح؟
في الحديث الذي يليه: حديث "عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني فأتزر, فيباشرني وأنا حائض".
"يأمرني فأتزر" الممنوع المحظور المحرم إتيان الحائض في موضع الحيض، وما فوقه وما تحته إلى محل الإزار فوق الركبة تحت الركبة وفوق السرة، هذا محل اتفاق بين أهل العلم، وما بين الركبة وموضع الحرث محل خلاف بين أهل العلم.
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني فأتزر, فيباشرني وأنا حائض" ولا شك أن الأمر بالاتزار هنا من باب الاحتياط، ومن باب اتقاء الشبهات، كالراعي يرعى حول الحمى، الذي يقرب من محل .. ، من المحل الممنوع يوشك أن يواقعه، فاتقاءً للشبهة يبتعد الإنسان عن الموضع وما يقرب منه.
أما إذا جامع المرأة في موضع الحرث في موضع النجاسة فإنه حرام إجماعاً، لكن هل يلزمه شيء؟ كفارة أو لا يلزمه؟
"عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الذي يأتي امرأته وهي حائض- قال: ((يتصدق بدينار, أو بنصف دينار)) رواه الخمسة, وصححه الحاكم وابن القطان, ورجح غيرهما وقفه".