"وعن عمرو بن الحارث أخي جويرية أم المؤمنين -رضي الله عنهما- قال: ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضاً جعلها صدقاً" النبي -عليه الصلاة والسلام- رأس الزهاد في هذه الدنيا الفانية، ما يجمع الأموال، ولا يكنز الأموال، ويرى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ما يوقد في بيته نار، وقال في الحديث الصحيح: ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار، إلا دينار أرصده لدين، أقول فيه هكذا وهكذا وهكذا)) من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، ينفق من كل جهة، وفي كل وجه من وجوه الخير، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ولا يدخر -عليه الصلاة والسلام-، يوزع الأموال في مجلسه، إذا جاءته أموال ما قام من مجلسه ومنه شيء -عليه الصلاة والسلام-.
"ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته درهماً ولا ديناراً" ومات ودرعه مرهون بصاع شعير اشتراه من يهودي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا الدنيا التشبث بها وإعطائها جل الوقت وجل الجهد هذا لا شك أنه خلل وتفريط فيما خلق الإنسان من أجله؛ لأن الإنسان خلق لتحقيق العبودية، ومع ذلك لئلا ينهمك في تحقيق ما خلق له، وينسى ما يعينه على تحقيق ما خلق له قيل: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] وعموم المسلمين في أيامنا هذه هم بأمس الحاجة إلى أن يقال: لا تنس نصيبك من الآخرة، وأما الدنيا ما يحتاج إلى من يوصيهم.
"ولا عبداً" ما عنده عبيد -عليه الصلاة والسلام-، وتقدم ما قال الدميري في النجم الوهاج: إنه أعتق، فإن صح يعني أنه لم يترك شيئاً، سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزيد بن حارثة مولى رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، زيد ليس بمعنى المولى الذي هو رقيق يباع ويشترى، وإنما كان بالتبني، وكان يدعى زيد بن محمد وهكذا، ثم صار يخدم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسفينة كذلك أعتقته أم المؤمنين، واشترطت عليه أن يخدم النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما تقدم.