أما ما ذُكر من سوء التعامل، وتقطيب الجبين فقد يحصل من بعضهم نظراً لكثرة إلحاح الناس عليهم، ولذا يوصي أهل العلم طالب العلم، ويذكرونه من أدب الطالب ألا يحرج الشيخ، ولا يكثر على الشيخ، لأن الشيخ بشر يتحمل بقدر معين، وبعض الطلاب لا يمل، وراء الشيخ وراءه يا شيخ يا شيخ، وبعدين؟ الحين ما خلق إلا أنت! صحيح والله، أحياناً يوقفون شيخهم عند الباب ربع ساعة، نصف ساعة يسألون، أحياناً يكون في شمس في حر شديد، وأحياناً الشيخ من ساعتين أو ثلاث في المسجد يحتاج إلى الدورة، فمثل هذا يجعل الشيخ أحياناً يتعامل معهم بتعامل لا يليق به ولا بهم.
وذكروا في كتب التراجم تراجم المحدثين أن فلاناً من الناس ولا داعي لذكر اسمه أنه من أحسن الناس خلقاً، فما زال به الطلاب حتى صار من أسوأ الناس خلقاً، المسألة مسألة الرفق من الجانبين، يقال للعالم: أبذل، عليك أن تبذل، يجب عليك أن تبذل، أيضاً يقال للمتعلم: أرفق، لا يحوج الشيخ إلى أن يقول له كلام لا يناسبه، وسهل من طلاب العلم أن يقولون: والله الشيخ ما استقبلنا ولا ناظرنا، ومقطب الجبين، أنتم الذين أحرجتموه، أنتم الذين أحوجتموه إلى مثل هذا الصنيع.
وأنا تأملت في زهد أهل العالم وجيرانه به، وهذا أثر متوارث "أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه" ورأيت في هذا حكمة إلهية، لماذا؟ الجيران ما يكلفهم أنهم يجتمعون على باب الشيخ، لو كان عندهم من الرغبة مثل ما عند البعيد الذي يصده من الحضور لدى الشيخ بعد المسافة، لكن كل ما طلع إلى عند الباب كل الجيران بيسألون، وإذا دخل الجيران كلهم عند الباب، وإذا دخل في البيت هذه الزوجة هذه البنت كلهم يسألون، هذا من لطف الله -جل وعلا- بهؤلاء المشايخ، والبعيد عنده شوق، وعنده حرص، وعنده كذا، لكن المسافة قد تحد من إحراجه للشيخ، لكن لو كانت رغبة الجيران والأهل مثل رغبة الناس الأبعد منهم لحصل من ذلك حرج عظيم.
ما معنى أمرهم في الحديث: ((لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة))؟