قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم مسروراً، تبرق أسارير وجهه، فقال: ((ألم تري إلى مجزز المدلجي؟ )) " الأسارير هي الخطوط في الجبهة، أحياناً إذا تكدر الإنسان أو غضب أو حصل له شيء من يجرحه يقطب جبينه، وبضده إذا حصل له شيء يسيره، فإنه تبرق أسارير وجهه، وعلامات السرور تبدو واضحة على وجهه.
النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل على عائشة يوماً من الأيام مسروراً تبرق أسارير وجهه، لماذا؟ فقال: ((ألم تري يا عائشة إلى مجزز المدلجي؟ )) وهو من القافة، قائف، ((نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد)) زيد بن حارثة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وابنه أسامة بن زيد ((فقال: هذه أقدام بعضها من بعض)) لماذا؟
أولاً: الرسول -عليه الصلاة والسلام- يحب زيد بن حارثة ويحب أسامة، فأسامة حبه وابن حبه، والناس يتكلمون في انتساب أسامة إلى زيد، يتكلمون، لماذا؟ لأن زيد أبيض اللون، وأسامة شديد السواد، ويطعنون في نسبه، ولا شك أن الطعن في نسب من تحب إساءة إليك، ويغيظك مثل هذا، فإذا وجد من ينفي من أهل المعرفة والخبرة لا شك أن مثل هذا يسرك.
((ألم تري يا عائشة إلى مجزز المدلجي؟ نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، فقال: هذه أقدام بعضها من بعض)) هو لم ير الوجوه، ولا رأى الأبدان؛ لأنه لو رأى الوجوه، وعرف الشخصين، قد يقول قائل: إن هذا يريد إدخال السرور على الرسول -عليه الصلاة والسلام-، هما قد غطيا نفسيهما بقطيفة، ما يرى منهما إلا الأقدام، القائف يعرف أن هذه القدم لها صلة بهذه القدم، إذا كان خبير مثل مجزز المدلجي، ومثل وحشي بن حرب، قدم عليه عبيد الله بن عدي بن الخيار بعد جاز المائة من عمره، وعبيد الله كهل كبير في السبعين من عمره، عبيد الله متلثم، ومعه شخص فذهبا إلى حمص لينظرا إلى وحشي بن حرب قاتل حمزة وقاتل مسيلمة، لما وقفا عليه قال: أنت ابن عدي بن الخيار؟ ففك اللثام عن وجهه قال: نعم، وما يدريك؟ قال: رفعتك إلى أمك وهي على جمل وأنت في المهد، عرف القدم، كم؟ هذا قبل سبعين سنة الكلام، هل الرجل تبقى سبعين سنة على هيئة واحدة؟ هناك أهل خبرة.