قال: وروي مثله عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو أنه أتي بنعل وجد في السوق يباع، فقال رجل: هذا نعلي لم أبع ولم أهب، وقرع على خمسة يشهدون، وجاء آخر يدعيه يزعم أنه نعله، وجاء بشاهدين، قال الراوي: فقال علي -رضي الله عنه-: إن فيه قضاءً وصلحاً، وسوف أبين لكم ذلك، أما صلحه فأن يباع النعل، فيقسم على سبعة أسهم، لهذا خمسة، ولهذا اثنان؛ لأن هذا معه خمسة شهود، وهذا معه شاهدان.
لكن القدر الزائد على البينة المعتبرة شرعاً هل له أثر في القضية أو ليس له أثر؟ القدر المطلوب شرعاً رجلان أو رجل وامرأتان، جيء بثالث ورابع وخامس وعاشر، ينظر إلى شهادتهم أو لا ينظر؟ لا شك أنه كلما كثرت أو كثر الشهود، وزادت البينة وصارت أقوى من بينة الخصم أن النفس تطمئن إلى صدقه أكثر، لكن بينة الطرف الثاني بينة شرعية كاملة يستحق بها المدعى به، لو لم يحضر الثاني بينة ما الذي حصل في القضية؟ قال: أما صلحه فأن يباع النعل فيقسم على سبعة أسهم لهذا خمسة ولهذا اثنان، على عدد الشهود، وإن لم يصطلحا فالقضاء أن يحلف أحد الخصمين أنه ما باعه ولا وهبه وأنه نعله، فإن تشاححتما أيكما يحلف فإنه يقرع بينكما على الحلف فأيكما قرع حلف، يعني على ضوء ما جاء في الحديث "فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف؟ " والحديث في الصحيح.
قال -رحمه الله-: "وعن أبي أمامة الحارثي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة)) ".
الحقوق، حقوق العباد من الديوان الذي لا يغفر، حقوق الله -جل وعلا- أمرها أسهل، مبنية على العفو والمسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاححة.
قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة)) وفي هذا التحذير من الحلف الكاذبة التي يقتطع بها حق المرء المسلم، وتسمى اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار، ويقرر أهل العلم أنها أعظم من أن تكفر، التي يقتطع بها حق امرئ مسلم.