السبب في رد الشهادة هو الفسق {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [(6) سورة الحجرات] والفسق ارتفع بالتوبة بالإجماع ارتفع، فإذا ارتفع الوصف المؤثر في رد الشهادة تقبل الشهادة، وهذا قول أكثر أهل العلم، ومنهم من يقول: لما قيل: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النور] يقتضي ذلك التأبيد، مع أن التأبيد قد نص عليه في بعض المسائل، ودل الدليل على ارتفاعه.
الله -جل وعلا- ذكر عن أهل النار عن الكفار أنهم لا يتمنونه أبداً، لا يتمنون الموت أبداً، ثم بعد ذلك إذا دخلوا النار {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [(77) سورة الزخرف] تمنوا الموت حينئذٍ، طلبوا الموت مع اقتران عدم التمني بالتأبيد، مما يدل على أنه لو اقترن النفي بالتأبيد أنه يمكن ارتفاعه إذا ارتفع الوصف المؤثر فيه، فالوصف المؤثر في رد الشهادة هو الفسق، وإذا ارتفع الفسق ارتفع الوصف المؤثر فتقبل الشهادة حينئذٍ.
قال -رحمه الله-: "وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه عد شهادة الزور من أكبر الكبائر" متفق عليه في حديث طويل".
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ )) ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) وكان -عليه الصلاة والسلام- متكئاً فجلس، ثم قال: ((ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور)) فما زال يكرر -عليه الصلاة والسلام- حتى قلنا: ليته سكت، شفقة عليه ورحمة به -عليه الصلاة والسلام-، وكرر، وغيّر جلسته؛ للاهتمام بشأن شهادة الزور؛ لما يترتب عليها من مفاسد عظيمة، قد يترتب عليها إزهاق نفس، قتل نفس معصومة، قد يترتب عليها قطع طرف، قد يترتب عليها أخذ مال، قد يترتب عليها ظلم لا يطاق، وكم من شخص ظلم مظلمة عظيمة بسبب شهادة زور، وكم من شخص أزهقت روحه بسبب شهادة زور، ولذا أكد النبي -عليه الصلاة والسلام- عليها، وكان متكئاً فجلس ((ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور)).