"إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" النبي -عليه الصلاة والسلام- يخبر عن بعض الناس، عن باطن أمورهم، وعن خفاياهم، وعما يخفونه في نفوسهم، لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله -جل وعلا-، لكن الله قد يعلمه عن بعض الناس فيؤخذون بالوحي، وأما بعد انقطاع الوحي بموته -عليه الصلاة والسلام- "وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم" وأما السرائر فتوكل إلى الله -جل وعلا-، فالمؤاخذة كلها على الظاهر.
إذا زكي الشاهد أو الراوي من قبل عدلين فهو مقبول الشهادة، والتزكية كما يقرر أهل العلم إنما يسأل فيها عما يخفى على الحاكم، وإن كان ظاهراً للمزكي، وبعضهم يقول: إن التزكية إنما هي على الأمور الباطنة، ولذلك عمر -رضي الله عنه- لما شهد عنده رجل فقال له عمر: لست أعرفك، فأت بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه، قال: بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل، فقال: هو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: فعاملك بالدينار والدرهم اللذين يستدل بهما على الورع؟ قال: لا، قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: لست تعرفه، ثم قال للرجل: آت بمن يعرفك؟ هذه أسئلة عن أمور باطنة، ولعل عمر -رضي الله تعالى عنه- قامت عنده قرائن تدل على عدم مطابقة التزكية للمزكى، وإلا إذا كان ظاهره الصلاح وزكي من قبل من يعرفه يكفي؛ لأن الحكم إنما هو على الظاهر، والناس بين إفراط وتفريط، يعني بدءاً من أهل العلم الذي يعدلون ويجرحون الرواة فيهم المتشدد، وفيهم المتساهل، وفيهم المتوسط، وبين من يتكلم في الناس إلى يومنا هذا مع أن الأعراض مزلة قدم كما يقول ابن دقيق العيد: "حفرة من حفر النار" "أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء والحكام" كثير من الناس يتكلم بمجرد استرواح وميل أو توقع يخوله هذا التوقع إلى الاستطالة بعرض أخيه، -نسأل الله السلامة والعافية-، وبعض الناس ينزج فيعدل ويوثق ويزكي بالجملة.