بعضهم يقول: إن لي حق في هذه الجهة، ولا يدفع لي إلا إذا دفعت، فأنا أدفع هذه الرشوة، وهذا المبلغ من أجل استخراج حقي، وبعض أهل العلم قد يتسمح في مثل هذا، لكنها داخلة في عموم اللفظ ((لعن الله الراشي والمرتشي)) فإذا دفع هذا المال ولو كان لاستخراج حقه فإنه داخل، وإن تسمح بعضهم في ذلك وقال: إنه لا يصل إلى حقه إلا بهذه الطريقة؛ لأن الراشي في مثل هذه الصورة وإن كان الأمر بالنسبة إليه أخف مما لو لم يكن له حق، فإن المرتشي الذي يأخذ المال ليخرج هذا الحق الذي يستحقه الراشي لن يفرق مستقبلاً بين محق ومبطل، فهي إعانة له، والقاعدة أن ما حرم أخذه حرم دفعه، فيحرم على الموظف أن يأخذ مبلغاً من المال ليستخرج حقك الذي لا تستطيع استخراجه، وقد تقول: أنا أتوصل بهذه الرشوة إلى استخراج حقي، وقد وجدت من يفتيني، نقول: إنه يحرم على هذا الموظف الأخذ، ومن ثم يحرم عليك الدفع؛ لأن ما حرم أخذه حرم دفعه، ثم بعد ذلك هذا المرتشي سوف يأخذ من المبطل إذا أخذ من المحق.
على كل حال هذه الخصلة الذميمة التي عاثت في كثير من بلدان المسلمين -فضلاً عن غيرهم- فساداً، وصارت أمور الناس لا تمشي إلا بدفع شيء من المال، وتتابع عليها الصغير والكبير، وضيع الحقوق والحدود بسببها، بعضهم يأخذ شيء يسير ويمشي المعاملة داخل في اللعن، ولو كان يسيراً، وبعضهم يدفع أموالاً طائلة ليستخرج في مقابلها ما هو أعظم منها، داخل في اللعن أيضاً ((لعن الله الراشي)) الذي يدفع المال ((والمرتشي)) الذي يأخذ، وفي بعض الطرق: ((والرائش)) الواسطة، السفير بينهما.