((ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه)) الرسول -عليه الصلاة والسلام- بشر ((إنما أنا بشر)) بشر لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله إياه، فيقضي على نحو ما يسمع، الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالإمكان أن يصل إلى الحكم المطابق للواقع؛ لأنه مؤيد بالوحي، لكنه في هذه الحالة قدوة للقضاة، يعني من يأتي بعده من القضاة الذين لم يؤيدوا بوحي، فكيف يصنعون لو لم يقل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الكلام؟ كما أنه -عليه الصلاة والسلام- سها في صلاته مع إمكان أن ينبه بالوحي، ومع ذلك سها ونبه من قبل بعض من خلفه، ينسى -عليه الصلاة والسلام- ليسن، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تنام عيناه ولا ينام قلبه، ومع ذلك نام عن صلاة الصبح حتى أيقظهم حر الشمس، لماذا؟ ليشرع، لو لم ترد مثل هذه القضايا ما عرفنا كيف نتصرف إذا وقعت لنا؟ يعني أهل الحرص وأهل التحري لو لم يحصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- النوم في هذه الحادثة ثم نام، نام قلبه عن الصلاة حتى طلعت عليه الشمس، ماذا يحصل له من الأسى والحزن؟ ما يكدر عليه حياته، لكن إذا عرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نام صار هذا فيه تسلية له، وعرف كيف يتصرف كما تصرف النبي -عليه الصلاة والسلام-.
ومثل هذا يقضي النبي -عليه الصلاة والسلام- على نحو ما يسمع من هذا الخصم البليغ، ثم بعد ذلك قد تكون النتيجة، الوسيلة شرعية، سمع من المدعي، سمع جواب المدعى عليه، طلب البينة من المدعي، أحضرت البينة، ثم بعد ذلك حكم له، النتيجة شرعية وصحيحة ما فيها أدنى إشكال، والقاضي مأجور على أي حال، سواءً كان أصاب أو أخطأ، فإن أصاب فله أجران على ما تقدم، وإن أخطأ له أجر، لكن ماذا عن المدعي والمدعى عليه إذا لم يطابق الحكم الواقع؟
((فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من نار)) المدعي الذي أخذ هذا الحق بشهادة زور مثلاً، شهد أناس ظاهرهم العدالة، وحكم بهم القاضي، اجتهد ورأى أن الذمة تبرأ بشهادتهم، ثم صار الحكم غير مطابق للواقع.