قال الحافظ: "وإسناده صحيح إلا أن الحفاظ رجحوا وقفه" والقول في هذه المسألة "تعارض الوقف مع الرفع" فيها أربعة أقوال لأهل العلم، منهم من يقول: الحكم لمن رفع؛ لأن معه زيادة علم، غاية من وقف أنه قصر في رفعه، والذي رفعه معه زيادة علم على من وقف، ومنهم من يقول: الحكم لمن وقف؛ لأنه هو المتيقن، والرفع مشكوك فيه، منهم من رجح بالكثرة، قال: إذا كان أكثر الرواة على الرفع فهو مرفوع، وإن كان الأكثر على الوقف فهو موقوف، ومنهم من رجح بالأحفظ، إذا كان الذي رفعه أحفظ ممن وقفه فله الحكم، أو العكس، ومثله تعارض الوصل والإرسال، وهذه مسألة كررناها مراراً على أن الأئمة الكبار الحفاظ من المتقدمين لا يحكمون بحكم عام مطرد في مثل هذه المسائل، بل الحكم فيها للقرائن، التي ترجحه القرائن فهو الراجح، سواءً كان الرفع أو الوقف، أو الوصل أو الإرسال.
يقول: ما القول الراجح في انعقاد نذر المعصية من عدمه؟
إذا خلت المسألة من الدليل ولم يبق فيها إلا رأي ابن عباس فرأيه أرجح من رأي غيره، فيكفر كفارة يمين.
قال: "وللبخاري من حديث عائشة: ((ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) " إذا نذر أن ينام يوماً كاملاً، أو نذر أن يشرب الخمر لا يجوز له أن يفي بهذا النذر، لا يجوز له بحال أن يفي بهذا النذر؛ لأن المعصية محرمة في أصل الشرع، فلا يبيح نذره ما حرم بأصل الشرع، لكن يبقى أن هذا النذر هل هو منعقد أو غير منعقد؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، ولو خرج من نذره بكفارة يمين لكان أحوط، لا سيما وأن مفاد هذا النذر والمراد منه والمقصود منه الحث أو المنع، فيكون حكمه حكم اليمين، كما قيل بمثله في الطلاق.
"ولمسلم: من حديث عمران -رضي الله تعالى عنه-: ((لا وفاء لنذر في معصية)) " ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) لا يجوز له أن يعصي؛ لأنه قد يتحيل على ارتكاب المعصية بالنذر، يقول: هذا أمر ألتزمته على نفسي، والله مدح الموفين بالنذر، يقال له: لا، ما وجب بأصل الشرع أقوى وأولى مما أوجبه الإنسان على نفسه، إذا نذر أن يعصي الله فلا يجوز له أن يعصي.