قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- في قوله تعالى" يعني في تفسير قوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [(89) سورة المائدة] "قالت: هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله" يجري على اللسان من غير قصد، وهو موجود عند كثير من الناس، لا يقتطع به مال امرئ مسلم، ولا يترتب عليه شيء، إنما يجري على اللسان من غير قصد، علماً أنه مع عدم المؤاخذة إلا أنه لا ينبغي للمسلم أن يجعل الله -جل وعلا- عرضة ليمينه، فيحلف على أدنى شيء، ويعود لسانه على هذا، لكن إذا حصل وتعود ما عليه شيء، {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [(89) سورة المائدة] قالت: هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله" أخرجه البخاري" عن عائشة موقوفاً عليها، وهو عند أبي داود مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا نظرنا إلى ما في الصحيح وهو أرجح، قلنا: إن ما في سنن أبي داود معل برواية الصحيح، ولو كانت ثابتة لأثبتها البخاري، وعدوله عنها يدل على عدم ثبوتها، وإذا قلنا: إنه لا مانع أن يثبت مرفوع ويثبت موقوف، فمرة تنشط عائشة -رضي الله عنها- فتنسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومرة تقوله من تلقاء نفسها.
وتفسير الصحابي ذكر الحاكم أبو عبد الله أنه في حكم المرفوع؛ لأنه لا يمكن أن يقول الصحابي في كلام الله شيئاً من تلقاء نفسه، أو من قبل رأيه، لما ورد من التحذير الشديد أن يقال في القرآن بالرأي، لكن جمهور أهل العلم حملوا ذلك على أسباب النزول؛ لأن أسباب النزول لا بد أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- طرفاً فيها.
وعُدّ ما فسره الصحابي ... رفعاً فمحمول على الأسبابِ
وهذا منها، هذا تفسير لقوله -جل وعلا-: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [(89) سورة المائدة] من يرى أن تفسير الصحابي له حكم الرفع قال: هو مرفوع، وإن لم تصرح عائشة بذكر النبي -عليه الصلاة والسلام-، والذي يقول: لا، التفسير يحتمل أن تقوله من تلقاء نفسها استنباطاً، ولا مانع من ذلك، وكثير من تفاسير الصحابة واضح أنه استنباط.