تمرة وجدت في الطريق فتركها النبي -صلى الله عليه وسلم- لماذا؟ لأن الصدقة لا تحل له، ولا لآله -عليه الصلاة والسلام- فتركها ورعاً من هذه الحيثية خشية أن تكون من الصدقة، أما لو كانت من الصدقة على وجه التحقيق لا يجوز له أكلها؛ لأن الصدقة حرام عليه وعلى آله، لكنه خشي وخاف أن تكون من الصدقة فتركها فدل على أنه لو جزم أنها ليست من الصدقة يأكل وإلا ما يأكل؟ يأكل ليش لا؟ لأنه تركها خاف أن تكون من الصدقة، مفهومه أنه لو جزم أنها ليست من الصدقة لأكلها، ولهذا أدخل المؤلف هذا الحديث في هذا الباب، يستدل به على أن الشيء اليسير التافه الذي لا تلتفت إليه همة أوساط الناس لا بأس بالتقاطه، ولا بأس بأكله، ولا بأس بتملكه، هذا إذا كان مما لا تلتفت إليه همة أوساط الناس، منطوق الحديث أنه تركها خشية أن تكون من الصدقة فمفهومه أنه لو جزم بأنها ليست من الصدقة فإنه حينئذٍ يلتقطها ويأكلها، لا سيما أنه في تركها في الطريق امتهان لها، ولا يمنع أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخذها وجعلها في مكان بحيث لا تتعرض للإهانة بالدوس ونحوه، لا يمنع، إلا أنه الصريح في الحديث أنه لم يأكلها؛ لأنه قال: ((لولا)) ولولا حرف امتناع لوجود، امتنع من أكلها لوجود الخشية أن تكون من الصدقة، وهذا لا يمنع أن يكون التقطها وأعطاها مسكيناً ممن تحل له الصدقة، أو أزاحها عن طريق الناس بحيث لا تمتهن ولا تداس، نعم.
وعن زيد ابن خالد الجهني -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن اللقطة فقال: ((اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها)) قال: فضالة الغنم؟ قال: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) قال: فضالة الإبل؟ ((مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)) متفق عليه.